[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/samyhamed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سامي حامد[/author]
لم تمر سوى عدة سويعات على إعلان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي استعداد الدولة للمصالحة وإشراك أنصار ومؤيدي الإخوان إذا نبذوا العنف حتى تم الرد على هذه الدعوة بعملية إرهابية استهدفت ضابطي شرطة وأصابت آخرين في منطقة بولاق أبو العلا وسط القاهرة بالإضافة إلى 4 تفجيرات متزامنة في طنطا والمحلة بمحافظة الغربية وآخرين في محافظة الشرقية لم يسفرا عن وقوع ضحايا .. ما اعتبره البعض مجرد رسالة من جماعة الإخوان وأنصارها تعلن من خلالها رفض هذه المصالحة واختيارها منهج العنف طريقا لتحقيق أغراضها خاصة وأن أحد الضابطين اللذين تم استهدافهما هو أحد شهود الإثبات في قضية هروب الرئيس الأسبق محمد مرسي من سجن وادي النطرون والضابط يدعى محمد أبو سريع، حيث قدم للمحكمة من قبل 125 صورة لعمليات اقتحام السجن الذي كان يحرسه في ذلك الوقت، وهو ما يعني أن جماعة الإخوان نجحت في تتبع هذا الضابط حتى تمت تصفيته رغم أنه قام بتغيير مهام ونطاق عمله 3 مرات منذ اقتحام السجن!!
الشارع المصري يرفض المصالحة مع جماعة الإخوان إلا فئة قليلة تنظر إلى الأمور نظرة ضيقة تحركها إما مصلحة أو انتماءات لمعتقدات وأفكار تلك الجماعة متجاهلين رأي الأغلبية الرافضة لهم .. وفي المقابل رأت جماعة الإخوان أن تصريحات السيسي ودعوته للمصالحة مجرد "شو إعلامي" يحاول الرئيس المصري من خلاله تجميل صورته وهو في طريقة إلى نيويورك بهدف تلطيف الأجواء مع الإدارة الأميركية التي طالما طالبت بعدم إقصاء أي فصيل سياسي عن المشاركة في الحياة السياسية .. واعتبرت الجماعة تصريحات السيسي تمثل تضاربا بين الأقوال والأفعال، وبأنه لا توجد لدى الدولة النية للتصالح مع الإخوان في ظل الوضع الأمني السيئ، مدللين على ذلك تصريحات رئيس الوزراء المصري إبراهيم محلب التي أكد فيها أنه لا تصالح مع الإخوان!
جماعة الإخوان ترفض التصالح وتشكك فيه في نفس الوقت .. وأغلبية الشعب المصري طوت صفحة الإخوان واعتبرتها جزءا من ماضٍ مرير لا يريدونه أن يعود، ما يعني أن الدولة المصرية تجاوزت مرحلة المصالحة وبأنه لا مفر من المواجهة والحسم وهذا فيما يبدو هو شعار الطرفين .. فالدولة من خلال أجهزتها الأمنية تقوم بتصفية عناصر الجماعات الإرهابية خاصة في شمال سيناء حيث الحملات الأمنية مستمرة على مدار اليوم لاصطياد عناصر جماعة أنصار بيت المقدس التي يرى خبراء سياسيون وعسكريون بأنها الذراع المسلحة لجماعة الإخوان المسلمين .. وجماعة الإخوان من جهتها تمارس العنف رغم نفيها ذلك، في حين أن أصابع الاتهام تشير إلى تورطها في حادث تفجير بولاق أبو العلا الذي راح ضحيته ضابط يعد أحد الشهود الرئيسيين في قضية هروب الرئيس الإخواني محمد مرسي من سجن وادي النطرون، ما يعني أن جماعة الإخوان هي دون غيرها من لديه مصلحة في تصفية الضباط!
إن ما يجري على الساحة المصرية من أعمال عنف وإرهاب لا يمكن أن نفصله عن ما يحدث في العراق وسوريا وليبيا تحديدا، فضلا عن الاضطرابات التي تشهدها دول عربية أخرى كالسودان واليمن وتونس والجزائر ولبنان، ما يعني أن الإرهاب بات يضرب المنطقة العربية في كل مكان، ولا فرق هنا بين داعش وجبهة النصرة وأنصار بيت المقدس والكثير من المسميات التي ظهرت على الساحة العربية بعد ما يسمى بثورات الربيع العربي التي أدخلت المنطقة في بحور من الدماء تسيل من بغداد لدمشق فالقاهرة إلى طرابلس الغرب تحت دعاوى كاذبة ومظللة الهدف منها تفتيت دول المنطقة على أساس مذهبي وطائفي لتشهد الأمة العربية والإسلامية فتنة أشبه بفتنة "عثمان" وكأن التاريخ يعيد نفسه!!
لقد قالت مصر على لسان وزير خارجيتها وأيضا رئيسها عبدالفتاح السيسي، سواء في اجتماع جدة الذي شهد إعلان عدة دول عربية الدخول في التحالف الدولي أو في خلال لقاء السيسي بوزير الخارجية الأميركي جون كيري في القاهرة مؤخرا وكذلك في تصريحاته الصحفية، سواء في الداخل أو في الخارج أن أي تحالف دولي لمحاربة الإرهاب لا يجب أن يقتصر على تنظيم بعينه دون غيره.. فالإرهاب هو الإرهاب .. وهذا هو ما أكده مرة أخرى الرئيس المصري في كلمته التي ألقاها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ما يعني أن على المجتمع الدولي أن ينتبه إلى هذا الأمر جيدا ويتكاتف في مواجهة الإرهاب الذي قد يمتد ليشمل دولا أوروبية إذا لم يتحد المجتمع الدولي من أجل التصدي له أينما كان!
إن أهم ما يميز مصر في هذا الصدد أن لها تجربة سابقة في محاربة الإرهاب والفكر التكفيري خلال فترة الثمانينات من القرن الماضي حيث ظلت الدولة المصرية تعاني من العمليات الإرهابية على مدى ما يقرب من 15 عاما، ونجحت في النهاية في استئصال الإرهاب وعودة بعض الجماعات التكفيرية إلى صوابها ونبذ العنف، مثلما حدث مع تنظيم الجهاد الذي كان من أخطر التنظيمات المسلحة في ذلك الوقت والذي تبنى مسؤولية العديد من العمليات الإرهابية .. ما يعني أن مصر لديها الخبرة التامة والدراية الكافية التي تؤهلها للتصدي بمفردها لهذا الإرهاب دون انتظار المساعدة من أحد .. وإنما كان الغرض من دعوتها بألا يقتصر التحالف الدولي الذي سعت واشنطن إلى تشكيله على محاربة تنظيم داعش وحده دون غيره هو فضح أساليب المجتمع الدولي الملتوية التي تعتبر داعش تنظيما إرهابيا يجب محاربته في سوريا والعراق، بينما هناك أكثر من "داعش" في المنطقة العربية لا يعر المجتمع الدولي لهم اهتماما!!