[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
تفقد الأمل عندما نرى طوابير النساء والأطفال والشيوخ هائمة في البراري لا تعرف لها مستقر. وتفقد الأمل، حين يساورك شكوك بأن العالم الذي يحنو عليهم، يعرب عن مساعدتهم خارج أرضهم، فيما الصورة المتوحشة للقوى الهمجية تعبث بكل شيء ولا يهمها أي شيء .. لا تتأثر ببكاء طفل، أو قلة حيلة سيدة عجوز, أو بمشهد الرجال وهم يبكون، ما أصعب بكاء الرجال في حضرة اللئيم الذي لن يشعر ولن يحس.
كلما شاهدت تلك الطوابير، تزدحم في رأسي صور الفلسطيني إبان النكبة .. لم يكن يومها إعلام قادر على إيصال الصورة، مع أن من صنعوا النكبة أمنوا لها بالمقابل ما تحتاجه من مساعدات للسكان الهائمين على وجوههم. قساوة العالم الذي قدم التغطية للإسرائيلي، يقدم اليوم تغطية لهذا الكردي وذاك السوري والعراقي والليبي وغيرهم.
هي قصة شعوب ظنت أنه قدرها، فإذا بها تخرب عالمها بيدها .. تنصب الشراك لمستقبلها، توجه الرصاص إلى دوائرها وقد تطلق النار على أقدامها. لهذا السبب جاءت القوى الكبرى كي تمرن حاضرها بما يمكن تلك الشعوب من التفكير بالأمل. من طردهم من بلاده عاد يستنجد بهم، من قال فيهم أقذع الكلمات عاد يربت على أكتافهم. هل هو قدر مخفي يظهر عند التفكير بالأمل، أم أن شعوبنا العربية حرمت من الأمل فأرادت أن تصنعه بالقوة؟
تلك الطوابير المؤلمة للنفس للأكراد، وقبلهم عديدون، سوف تحلم بأن تعود إلى أرضها، لكنها قد لا تعود .. وقد تحلم أن تجد لها مأوى حيث هي اليوم، فقد لا تجده على حقيقته، إنها حائرة، متذمرة، لن تستطيع البقاء في قراها ومدنها بعدما سيطر الإرهاب والهمج والبرابرة، وفي الوقت ذاته لن يكون لها أمل بأن تعيش براحة كما كانت.
الطريق إلى نهاية النفق غير واضحة .. ستظل الطوابير بإنسانيتها المقهورة تخرج من بلادها، تحاول أن تجد لها مأوى، تتمنى أن تعيش خارج الخطر .. لقد باتوا يعرفون أن البرابرة لا يتقنون الحوار ولا ينسجمون معه ولا يريدونه، فقط السكين هي الحوار، والرصاصة في الرأس أيضا. وعلى الطريقة الإسرائيلية، تفرغ بلدان وقرى من أجل أن يسكنها من ليس لهم مأوى. هكذا فعل الأميركي عندما احتل بلاده، ومثله الإسرائيلي، والآن كما نرى.
عالم فرغ من إنسانيته، عندما يفرغ المرء من إحساس إنساني ويتبلد، تملأ الفراغ ذاك أحاسيس همجية .. لم نسمع كلمة رحمة، ولن نسمع .. هنالك جلود تماسيح مرمية فوق أجساد بشر لا يعرفون ماذا يفعلون سوى أن لهم عينين بذر الحقد فيهما ..
سنظل مع الأمل، رغم الحقد الإرهابي الذي يتفشى. وسيظل الحلم ممكنا بصورة الرجاء لمواجهة حالة طارئة ليس لها أصل ولن يكون. وسترمى ذات يوم خارج الحياة. الإرهاب له قصة طويلة مع الحياة، جاء هذه المرة بصورته المخزية، لعله لن يستمر لأنه ضد قانون الحياة مع أنه جزء منها.