إذا علمنا أنَّ الدُّخان الذي مصدره الحرارة يسمى في اللغة الفصيحة : اليَحْمُوم ، وأنَّ الحميم هو الماء الحار ، فهمنا من هذا كيف اتسعت العربية بالمعنى منتقلة إلى مدلول الصداقة في مثل قولنا : الصديق الحميم : أي الذي تربطني به صلة محبة حارّة ، والذي أقابله أو أستقبل ذكراه بعاطفة حارة حميمة ، لا بعاطفة باردة . كما يفهم من هذا علّة تسمية عرق الجسم : الحميم . إذ من البدهي أن سبب رشحه من الجسم الحرارة . ومن هذا الأصل أخذوا لفظة الحَمَّام والاستحمام وهو الاغتسال بالماء الحميم أي الحار . وتأسيساً على هذا ينبغي أن نرجع لفظة ( حُمَة ) العقرب والزنبور وأمثالهما إلى هذا الأصل الذي يدل على الحرارة .
ولكن بعض الناس يذهب إلى أن الحُمة هي شوكة العقرب ، وشوكة الزنبور التي يلسعان بها . وذلك أمر لا يتفق وطبيعة الدلالة العامة لهذا الأصل اللغوي . إنما الحُمَة سُمُّهما وضرُّهما .وكذلك هي من الحية ؛ لأنّها سُمّ يسبب الحرارة أو يشيعها في الجسم . أما شوكة العقرب تلك فهي الإبرة . ومن هنا تكون الحُمَة لكل هامَّة من الهوام ذات سُمّ. وربما كان من الأنسب أن نقول : إنّ الحُمَة لكل سامَّة من السَّوام ؛ لأنّ الهوام من الحشرات ما يدبّ على الأرض . وأما السَّوام فجمع سامَّة ، أي كل ما لها سُمّ ، قتل أو لم يقتل . وغير خفي أنّ الأطباء أخذوا من هذه المادة اسم الحُمَّى للمرض المعروف بارتفاع الحرارة والتعرّق وغيرهما من الأعراض .
وعلى ذكر الهامَّة في هذا السياق تحسن الإشارة إلى أنّ كثيراً من الكتَّاب يغلطون في استخدامها على الوجه اللغوي الصحيح ، يقولون مثلاً : تلك قضية هامَّة جدا . فالهامَّة هنا واحدة الهوام التي تدبّ على الأرض . وقد سُميّت كذلك لهميمها ، أي دبيبها . وهي كالسَّامَّة واحدة السَّوام ، وكالدَّابة واحدة الدَّواب . فكأنّنا حين نقول : هذه قضية هامَّة نقول بالتالي : هذه قضية دابَّة . وما إلى هذا يقصد قائلوها في الحقيقة ؛ لأنّ الكلام على هذا النحو يحتمل الالتباس وسوء التفسير إلا إذا أُخذ على المجاز والاتّساع بتشبيه الأمر الخطير بواحدة الهوام إذا وضعنا في اعتبارنا ما تقوله المعاجم من أنّ هذا الاسم لا يقع إلا على المُخَوِّف من الأحناش . أما الاستخدام الذي لا يدعو إلى اللبس في مثل هذه الحال فهو قولنا : هذه قضية مهمة ، أي عظيمة مقلقة من قولهم : أهمَّه الأمر إذا أقلقه وأحزنه . والمُهِمّ الأمر الشديد . أما ما يختلف بعضهم في نطقه من مثل قولهم : ذهب فلان في مَهَمَّة رسمية ، أو كلف بمَهَمَّة خاصّة ، فهذه تصح على الوجهين ، فتقول : كُلِّفَ بمَهَمَّة أو مُهِمَّة ، وكلاهما استخدام في القياس سليم .

د.أحمد بن عبدالرحمن
بالخير استاذ الدراسات اللغوية
بكلية العلوم التطبيقية بصلالة [email protected]