[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/alibadwan.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]علي بدوان[/author]
يبدو أن إخفاء بنود "صفقة القرن" الأميركية حتى الآن، على الرغم من مرور أكثر من سنتين على أول إشارة لها، يستهدف إيجاد بيئة سياسية مواتية في المستوى المحلي (الفلسطيني و"الإسرائيلي")، والمستوى الإقليمي (العربي بشكل خاص) والدولي (بشكل عام)، من خلال إقناع الأطراف بالبنود واحدا تلو الآخر، ثم الإعلان عن الصفقة بعد ضمان قدر كاف من الترويج لها بين القوى الأساسية في المستويات الثلاثة السابقة الذكر، وتكشف تصريحات وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الأخيرة عقب زيارته لبيروت، عن الترابط بين الظروف السياسية من ناحية وبين الإعلان عن الصفقة من ناحية أخرى.
وفي حقيقة الأمر، وفي إطار التسريبات الإعلامية المتتالية، بدأت تتكشف وتتواتر خلال الفترات الأخيرة، الاقتراحات المخفية في "صفقة القرن" الأميركية، ومنها الحديث عن منح مساحات من سيناء المصرية وضمها لقطاع غزة، في مسعى لدفع الفلسطينيين للقبول بدويلة في تلك المنطقة كبديل لحل الدولتين على أرض فلسطين التاريخية.
ومقترح توطين اللاجئين الفلسطينيين في سيناء المصرية وإقامة دويلة فلسطينية هناك، ليس بجديد، فقد تم طرحه أول مرة في 14 تشرين الأول/أكتوبر عام 1953 على أن يتم بموجبه منح 230 ألف فدان من الأراضي الصحراوية إلى وكالة الغوث (الأونروا) لمصلحة اللاجئين الفلسطينيين شريطة أن تقوم مصر بإيصال كميات كافية تصل إلى حدود 1% من حجم مياه نهر النيل سنويا لإرواء هذه الأراضي، لكن تلك الجهود ووجهت بردود فعل تفيض بالسخط والقلق من جانب الفلسطينيين في قطاع غزة، وخصوصا اللاجئين منهم، وقد حاولت الإدارة المصرية تنفيس ذلك السخط، عندما كان هذا المشروع قد أصبح شاغلا للأهالي ومدار حديثهم، وفي العام 1955 خرجت مظاهرات عارمة في قطاع غزة ضد مشاريع التوطين في سيناء في انتفاضة تاريخية. هذه الانتفاضة الباسلة قادها الشاعر الشهيد معين بسيسو وغيره، والتي حملت شعارات "لا توطين ولا إسكان", و"العودة.. العودة حق الشعب"، والتي شهدت أكبر مظاهرات عرفها تاريخ قطاع غزة وسقط فيها أكثر من ثلاثين شهيدا، دفع الإدارة المصرية لاستصدار قرار بإلغاء مشروع التوطين في سيناء فورا والتصدي له.
إذا، منذ خمسينيات القرن الماضي، بدأت الفكرة الأميركية "الإسرائيلية" بتوطين اللاجئين الفلسطينيين بشبه جزيرة سيناء، وتوالت المشروعات "الإسرائيلية" الرامية لهذا الغرض، ورغم رفض الدولة المصرية لهذا الأمر إلا أن الدولة العبرية الصهيونية لم تيأس من إيجاد وطن بديل للاجئي فلسطين في قطاع غزة، وتحديدا داخل أراضي سيناء المصرية، ووصلت بمخططاتها إلى محاولة ابتزاز القيادة المصرية منذ 2004. ففي مشروع قدمه مستشار "الأمن القومي الإسرائيلي" الجنرال احتياط جيورا أيلاند عام 2004، وتم نشره عام 2010، تم تقديم اقتراح أن تتنازل مصر عن 750 كيلومترا من سيناء لتوطين الفلسطينيين مقابل منح مصر 600 كيلومتر في صحراء النقب في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948. وقد عدد المشروع الصهيوني المكاسب التي ستحصل عليها مصر مقابل "كرمها" هذا وهي المكاسب التي تبدو في باطنها نوعا من الابتزاز والضغط.
وفيما يُعد تأكيدا على ما كشفته إذاعة "الجيش الإسرائيلي" في حينه، نقلت صحيفة "هآرتس"، عن أربعة مسؤولين كبار في إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، قولهم، إنّ رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو، عرض في العام 2014، خطة لتدشين دولة فلسطينية في شمال سيناء وغزة، مقابل موافقة منظمة التحرير الفلسطينية، على ضمّ المستوطنات في الضفة الغربية لـ"إسرائيل". وحسب أمير تيفون مراسل صحيفة "هآرتس" في واشنطن، فإنّ المسؤولين الأربعة أبلغوه، أنّ نتنياهو أطلع إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما على تفاصيل الخطة، بُعيد انتهاء الحرب التي شنتها "إسرائيل" على قطاع غزة في صيف 2014، وذلك بعد انهيار خطة التسوية التي عرضها وزير الخارجية الأميركي آنذاك جون كيري، على الأطراف المعنية. ونقل أمير تيفون عن أحد المسؤولين قوله، إنّ نتنياهو عرض الخطة على الرئيس أوباما، على أساس أنها رد على فشل خطة وزير الخارجية جون كيري للتسوية، مشيرا إلى أن نتنياهو أوضح أن إسرائيل توافق على أن تكون الضفة الغربية جزءا من الدولة الفلسطينية، بشرط موافقة الفلسطينيين على ضم المستعمرات المقامة في مناطق مختلفة من الضفة الغربية المحتلة لــ"إسرائيل". ووفق المسؤول، فإن نتنياهو أبلغ الإدارة الأميركية، في حينه، أن التعويض الذي سيحصل عليه الفلسطينيون مقابل ضم المستعمرات، سيكون ضم مناطق في شمال سيناء لقطاع غزة. والخطة تشبه لحد كبير، الخطة التي تحاول إدارة ترامب حاليا الترويج لها، والتي يُطلق عليها "صفقة القرن".
وذكر المسؤولون الأميركيون، أنه عندما حاولت واشنطن الاستفسار من الإدارة المصرية، حول ما إذا جرت مباحثات مع "إسرائيل" حول الخطة التي عرضها نتنياهو، كان رد القاهرة سلبيا. وحسب أمير تيفون، فإنه يتضح من الخطة التي تحدث عنها المسؤولون في إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، أنها تُشبه إلى حدٍّ كبير، الخطة التي تحاول إدارة الرئيس دونالد ترامب حاليا الترويج لها، والتي يُطلق عليها مُسمى "صفقة القرن".
وفي هذا الإطار تم طرح خطتين "إسرائيليتين" تكاد أن تكونا متطابقتين، على شكل دراستين، تقومان على فكرة توسيع القطاع على حساب سيناء المصرية، وإحلال منطق ما يسميه "الإسرائيليون" تبادل أراضي. الخطة الأولى طرحها البروفسور يهوشع بن أريه، والخطة الثانية طرحها الجنرال جيورا أيلاند.
فهل سترى أي من الخطتين النور؟ وهل ستقبل مصر المساس بسيادتها على ترابها الوطني واقتطاع مساحات من سيناء لصالح تقزيم الحق الفلسطيني وإرضاء دولة الاحتلال...؟ الأرجح أن مصر سترفض ذلك المشروع ولن تقبل به.

علي بدوان
كاتب فلسطيني دمشق ـ اليرموك