[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedaldaamy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أ.د. محمد الدعمي[/author]
لم يصدق أحد من سكان بلدة الحيرة (الأكثر شهرة بالجعارة) اليوم، عاصمة دولة المناذرة التي ازدهرت قبل الإسلام، أن أجدادهم كانوا يعتنقون المسيحية بعد أن اكتشف الآثاريون قبل بضع سنوات بقايا لكنيسة كبيرة في هذه البلدة الواقعة على الفرات الأوسط.
والحق، فإن "صدمة الوعي" هذه راحت تتردد أصداءً وكأنها تدق أجراس الدعوة إلى إعادة تورخة أحوال العرب قبل ظهور الإسلام. بيد أن المعيب في هذا الأمر هو أن أدباءً بريطانيين وأميركان كانوا على علم بذلك، بل هم كانوا على معرفة دقيقة بتاريخ المسيحية وكنائسها قبل ظهور الإسلام، بدقة كافية للكتابة عنها.
وقد كان لهذه المعرفة بدقائق التقاليد الدينية في شبه جزيرة العرب على العصر الجاهلي أسبابها، خصوصا بالنسبة لعقلين عملاقين من عقول العالم الغربي على عصر الثورة الصناعية، وهما: "توماس كارلايل" Carlyle (بريطانيا)، وواشنطن إرفنج Irving (أميركا). أما أسباب بحث هذين العبقريين الأنظمة الروحية عند العرب قبل ظهور الإسلام، فهو بسيط للغاية، ذلك أنهما حاولا تبرير انتشار الإسلام السريع هناك من خلال إلقاء الضوء على تردي هذه التقاليد الروحية التي عبدت الطريق لظهور وانتشار الإسلام بسبب ما شابها من حرفٍ وليّ وتشويه تناهى حتى براثن الوثنية في ممارسات القبائل سوى الوثنية، مثل الصابئية، بل وحتى الزرادشتية.
هذا موضوع طريف يستحق الارتجاع الارتداد إليه بدقة مؤرخين وآثاريين تقارب دقة الكاتبين الغربيين المذكورين أعلاه، برغم حقيقة أنهما عاشا في القرن التاسع عشر، أي قبل أكثر من مئتي سنة من الآن. هما يعرفان ما لا نعرف عن التقاليد الروحية حقبة ذاك، وما رافقها من عقائد وخرافات وطقوس، أكثر مما نعرف نحن من حقائق عن أجدادنا، سيان عدنانيين أم قحطانيين، بدليل محاضرتي كارلايل المعنوتين: "البطل نبيا: محمد"، أو "البطل كاهنا: مارتن لوثر". وبدليل تاريخ إرفنج العملاق (بمجلدين) الموسوم (محمد وخلفاؤه). علما أن هذين الموضوعين المهمين يشكلان واحدا من أكثر مناقشات كتابي الموسوم The Orientalizing Mind (العقل المستشرق) أهمية وهو منشور بالإنجليزية، قبل بضعة أسابيع في الولايات المتحدة الأميركية.