[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedbinsaidalftisy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد بن سعيد الفطيسي[/author]
لا شك عندي بان المركزية الأميركية ومنذ العام 2001م تسير باتجاه التراجع عما كانت عليه قبل هذا التاريخ، وعلى مختلف المستويات والأصعدة، خصوصا على مستوى اتخاذ القرارات الدولية الأحادية كما هي عادتها دائما . صحيح أن الولايات المتحدة الأميركية ما زالت تتواجد على رأس قمة القوى الدولية الكبرى، لذا كان من الضروري الاعتراف باستمرار بقاء بعض الاستثناءات الصادرة من حين إلى آخر، والتي تؤكد وجود تلك القوة الكونية على النظام الدولي منذ سقوط الاتحاد السوفيتي السابق تحديدا، خصوصا تلك القرارات السياسية والعسكرية التي لا تنبع عن شرعية دولية أو في سياقات قانونية، حتى وإن كانت هذه الأخيرة فرضت على المؤسسات الأممية التي وافقت عليها عبر سياسة لي الذراع والتهديد.
والمتتبع لديناميكية القرارات التي اتخذها الرئيس الأميركي ترامب منذ بداية توليه الرئاسة، سواء كان ذلك على الصعيد الدولي أو حتى على المستوى الداخلي يجد نوعا من إعادة الروح الأميركية القطبية والمركزية إلى الواجهة الدولية، حيث طغيان الأحادية وسياسة الهيمنة وسلطة القطب الواحد، ولا شرعية القرارات الدولية بشكل واضح ومستمر، خصوصا تلك التوجهات والسياسات المتعلقة بمصالح الولايات المتحدة الأميركية أو تقاطعاتها أو حتى نزعتها للقوة والسيطرة.
ومن أبرز الأمثلة الحاضرة على هذا السلوك المتحدر من نزعة الهيمنة والقوة المركزية نجد ارتفاع تدخلاتها على صعيد السياسات الداخلية للدول، دون التعامل مع ذلك عبر الشرعية الدولية حتى وإن كان ذلك كواجهة شكلية كما هو حال استخدامها مع من سبقه من الرؤساء الأميركيين، كما هو الحال مع فنزويلا على سبيل المثال لا الحصر، وكذلك على صعيد حاكميتها لمسارات الشؤون الأمنية العالمية وإدارة السياسات الدولية حتى وإن كان ذلك كذلك بطرق غير مشروعة، كما هو الحال مع ملف العقوبات الاقتصادية ضد إيران على سبيل المثال لا الحصر كذلك.
فالولايات المتحدة الأميركية وحيال هذا الملف الأخير على وجه الخصوص، وكما يلاحظ المجتمع الدولي تعمل وفق توجهات أحادية يغلب عليها فرض سياسة القوة فوق القانون والشرعية الدولية بغض النظر عن وجود بعض المواقف المؤيدة أو الرافضة لهذا الأسلوب في إدارة القرارات والتوجهات السياسية والاقتصادية الدولية.
ما يعني أن ترامب تمكن بطريقة أو بأخرى من إعادة فرض هذا الأسلوب المسيطر على النظام العالمي والذي اتبعته الولايات المتحدة الأميركية بشكل أحادي حتى نهاية القرن الـ20، وبدأ بالتراجع نوعا ما مع بداية القرن الـ21، لأسباب عديدة ومختلفة، منها على سبيل المثال لا الحصر تنازع تلك القوة الدولية وتوزعها بين قوى دولية أخرى كالصين وروسيا.
في حين نجد أن الولايات المتحدة الأميركية تدير أحاديا ودون الرجوع إلى مؤسسات القانون الدولي كمنظمة الأمم المتحدة وأجهزتها ذات الاختصاص، السياسات الأمنية والاقتصادية الدولية كما يحلو لها، فتسمح وتعفي لمن تشاء توريد النفط الإيراني، ومن ثم تمنع من جديد من تشاء من ذلك، ما يؤكد عودة سياسات الهيمنة الأميركية على النظام العالمي عبر قرارات ترامب المتعلقة بالعديد من القضايا الدولية الراهنة.
ما يعرض بقايا الاستقرار والأمن الدولي إلى مزيد من التشظي والفوضى، ولعل نوعا من الصدام قد يحدث في مقبل الأيام بين القوى الدولية الحاضرة بقوة على صعيد هذا الملف خصوصا الصين وروسيا في حال اتخذ ترامب قرارات أكثر تشددا حيال هذه المسألة، مع الأخذ بالاعتبار إلى دخول قوى إقليمية أخرى على هذا المسار في مواجهة عودة روح العنجهية الأميركية كتركيا وربما بعض الدول الأوروبية على سبيل المثال لا الحصر.
وفي هذا السياق (يرى ساشا لومان، من مؤسسة العلوم والسياسة (SWP) في برلين أن نهاية الإعفاءات تظهر نجاح مساعي المتشددين داخل الإدارة الأميركية. كما تشير "استراتيجية الضغط لأقصى حد" إلى توقع المزيد من العقوبات. وقال لومان لـ DWالألمانية: "في الوقت نفسه، قد تستمر التهديدات لإيران. كما توجد في البحر المتوسط​​، مجموعتان من حاملات الطائرات مستعدتان لإضافة عنصر عسكري إلى هذه التهديدات". ويرى الخبير أنها "علامات للتصعيد)
على أنه وبالرغم من ذلك سيبقى مستقبل هذه المسارات السياسية من حيث الحل والتعقيد من وجهة نظري، أقصد استمرار لغة التهديد والوعيد الأميركية لبعض الدول حيال بعض القضايا من جهة والسير باتجاه محاولات ترامب إعادة المركزية الأميركية خصوصا على مستوى أحادية القرار بعيدا عن الشرعية الدولية يدور حول أمرين: هما ارتفاع اسعار النفط بسبب قلة المعروض وما يمكن أن يتسبب به على صعيد الأمن والاقتصاد الدولي، وقوة كل من روسيا والصين في مواجهة لغة الهيمنة الترامبية وعودة أحياء المركزية الأميركية.