[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]
طفرت أمامي عدة موضوعات تتمحور حول الواقع العربي والأزمات العاصفة التي تضرب شعوبنا وبلداننا، فما أن تهدأ واحدة حتى تتصاعد أخرى، وقد تكون أشرس من سابقاتها، وكان عليّ أن أختار إحداها للحديث في "منتدى الجزيرة الثالث عشر" الذي أقامه مركز الجزيرة للدراسات في نهاية شهر نيسان – أبريل الماضي، وتلقيت دعوة كريمة من القائمين على المركز، وأنا أقلب الموضوعات تلمست ذؤابات مشتركة بين جميع العناوين التي طفرت أمامي، لكن ما يؤسف له أن تلك الذؤابات مشبعة بالعتمة والفوضى وترتكز إلى أعمدة رخوة، بل هشة في الكثير من بنيتها، أدركت حينها أن أحوالنا لا تفرح وليست على ما يرام.
استمعنا خلال جلسات المنتدى وعلى مدى يومين متواصلين إلى نخبة من الباحثين والمفكرين والمراقبين من دول العالم، ويمنح هؤلاء المختصون دفقا عميقا للنقاشات التي تجري في مثل هكذا ملتقيات، وبسبب الأوضاع التي نعيشها وما تنطوي عليه من آلام ومتاعب للجميع فقد تصدى الباحثون لقضايا منطقتنا الراهنة، وبرؤية عميقة حذّر العديد منهم من تداعيات لا تحمد عقباها على المنطقة العربية بصورة عامة ودول الخليج بصورة خاصة، لأن الحروب لا تجلب إلا الدمار وأنهار الدماء والخراب، وفي كل يوم جديد يزداد عدد القتلى والمعوقين والمشردين والأرامل والأيتام، فسقوط القنابل والصواريخ لا يخلف وراءه الزرع والحياة بكل أشكالها وألوانها، وإنما يبث الخوف والدمار، مقابل ذلك تتوقف حركة التنمية في جميع الدول التي يتقدم عندها البارود على البناء.
استمعنا إلى خطورة تقديم فواتير ضخمة مقابل استيراد البارود في العديد من دولنا، وينتج عن ذلك بدون شك الفرقة والقتلى بدلا من بناء المصانع والمعامل العملاقة وتوسيع رقعة الأراضي المزروعة، لدعم الأمن الغذائي الذي يُعد وبدون منازع الركن الأساس في الأمن القومي.
العديد من الزوايا نبش الباحثون في أعماقها وفتشوا بعناية كبيرة بالجوانب المعتمة فيها، وطرحوا الكيفية التي يمكن إضاءتها في حال توفرت النوايا الطيبة لإبعاد شبح الخلافات والنأي بعيدا عن كل ما يؤذي الشعوب والبلدان.
تحدثت في كلمتي وكنت آخر المتحدثين في جلسته الأخيرة عن أهمية المستقبل وكيف يجب أن ننظر إليه ونتفاعل معه ليس بالطرق التي اعتدنا عليها شعوبا وحكومات، وإنما برؤية عميقة وجديدة، وبما يعزز من مكانتنا ويوفر الفرص الحقيقية للتطور في مختلف مناحي الحياة.
اللافت في هذا المنتدى أن جميع المشاركين لم تفرض عليها إدارة مركز الجزيرة والقائمون عليه سلفا أي موضوع أو موقف، واختار المتحدثون القضايا التي يرغبون بدون أي إشارات أو تنويهات كما يحصل في العديد من المؤتمرات والملتقيات، وهذه إيجابية وسمة تميز بها الملتقى، عسى أن يلتزم الكثيرون بهذا النهج والأسلوب. الذي يعتمد الأسس السليمة في البحث العلمي وفي طرح القضايا العميقة والإبحار والطواف فيها.