[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/suodalharthy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سعود بن علي الحارثي[/author]

” إن دخول التجارب والاكتشافات والتطورات العلمية إلى مجالات متقدمة ومتعمقة داخل الكون وفي الجسم البشري, الاستنساخ مثالا لذلك قد يولد عواقب خطيرة على مستقبل البشرية في الأخلاق والقيم, في الأنساب, استخدام الإنسان كحيوانات اختبار وتحويل أعضائه كمادة للاتجار, والعبث بأسرار الكائنات مع ما يشكله ذلك من خلل في التوازن ومخاطر طبية جمة. ”
ــــــــــــــــــــ
عجلة الزمان تسير بخطى متوازنة ويواكب سيرها المرسوم تطور في المناهج والأساليب والوسائل والطرق والمذاهب ... المرتبطة جميعها ارتباطا وثيقا بحياة الإنسان فالتطور سمة من سمات الحياة ووفقا لهذه القاعدة تم تقسيم التاريخ البشري إلى حقب ومراحل مختلف, لكل مرحلة من المراحل خصائصها التي تميزها عما قبلها وما يأتي من بعدها ترمز أو تؤرخ أو تتحدث أو توثق لأحداث ومتغيرات وتبدلات وتطورات ترتبط بحياة الإنسان من حيث نجاحه وفشله, صعوده وسقوطه, انتكاساته وإنجازاته العلمية والفكرية والثقافية والعمرانية والتقنية والتاريخية والاقتصادية والسياسية والعسكرية ... عبر هذه الحقب التاريخية تقوم حضارات وتنشأ دول وتظهر مجتمعات وتثور شعوب على الظلم والقهر والاستعمار وتنطلق جيوش هدفها السيطرة والإثراء والتدمير لحساب إمبراطوريات وأيديولوجيات ودول كبرى وفي المقابل تدمر حضارات وتتلاشى دول وتسقط أنظمة وتغيب قوميات, فهكذا هي الأيام (( هي الأمور كما شاهدتها دول * من سره زمن ساءته أزمان * وهذه الدار لا تبقي على أحد * ولا يدوم على حال لها شان)) , والناس بين زمان وزمان مختلفون في التقييم وفي الرأي وفي المشاعر, فيهم من لا يتمنى عودة ماض يذكره بشظف العيش وبالمآسي والأحزان والتقاليد البالية والتخلف ... ومنهم من يحن إلى عهد يراه من منظور مختلف يحمل الجمال والمتعة والازدهار والأصالة والحب والعزة ... فهكذا هم الناس قلما يتفقون على أمر من الأمور المرتبطة بحياتهم وشئونهم الخاصة .
في كل ذلك وبمرور الأيام والأزمنة ظل الإنسان يسعى ويعمل ويتعلم , يبحث ويجري التجارب تلو التجارب لتحسين أوضاعه وتيسير أحواله وتطوير امكاناته, وخطوة بعد أخرى ونجاح يسبقه فشل وحرص لا يؤاتيه الكلل أو الملل أو الإحباط يكمل الأواخر ما بدأه الأوائل مضيفين إضافات جديدة معززين تلك الجهود المهمة في مضمار العلم والعمل والاكتشاف ... التي لم تذهب سدى إذ أوصلهم طريقهم المكلل بالطموح والسعي والاجتهاد إلى مكاسب حقيقية في مختلف حقول العلم, في الطب والفلك والعلوم الإنسانية وفي الاتصال والفضاء, وانطلقت الثورة العلمية عبر المراحل الزمنية التاريخية حتى بلغ التطور العلمي مدى واسع ... وارتقت البشرية درجات في مسيرة التمدن والرفاه, تطور لم تكن لتحلم به الأجيال السابقة مهما بلغ بأفرادها الطموح والأحلام والآمال ... وكشفت الثورة العلمية التي نعايش منجزاتها عن وسائل وأدوات وعناصر وأساليب تقنية متعددة الأغراض والأهداف باتت جزءا من استخدامات الإنسان في حياته في العمل والمسكن والاتصال والنقل والملبس وفي العلاقات وغيرها من الأنماط المعاشة , وقد تمكن الإنسان في إطار استخداماته المتعددة لمنتجات هذه الثورة من التعامل مع تقنيات غاية في الدقة والإتقان والفاعلية مكنته من التواصل مع ثقافات وتجارب وعادات الشعوب الأخرى وأضحى على دراية بمجريات الأحداث والتطورات التي تجتاح العالم وذلك عبر شاشات التلفزة والانترنت واستطاع بجهوده أن يقطع المسافات الطويلة , انطلاقا من مشرق الأرض وانتهاء بمغربها في بضع ساعات ومن إجراء العمليات الدقيقة في أدق موقع في الجسم البشري دون شعور بألم من جراء ذلك.
ولم يقف الإنسان الذي دخل نفق التحديات عبر طريق مزحوم بالنظريات والتجارب والاكتشافات التي بلغت من العمق حد اكتشاف خارطة الإنسان الوراثية والدخول إلى أعماق هذا الكون في مجراته وكواكبه وفضاءه , واستنساخ الكائنات الحية بل وكان الاتجاه نحو الإنسان نفسه, فقد أعلن طبيب الأمراض النسائية الإيطالي سيفيرينو أنتينوري قبل عدة سنوات عن أول حالة حمل لجنين بشري مستنسخ , ولولا المقاومة والتصدي الذي تواجهه هذه التجارب من عدد من الحكومات ورجال العلم والمحافظين على القيم والأعراف الإنسانية الذين أثمرت جهودهم عن سن تشريعات وفتاوى تحرم الاستنساخ لاستمرت هذه المحاولات والتطورات, والجهود والتجارب. إن الثورة المعرفية المشار إليها مع ما قدمته للبشرية من خدمات ومن تقنيات ووسائل حديثة أثمرت في التخفيف من معاناة الإنسان خاصة في مجالات الطب والنقل والاتصالات واكتشاف الكهرباء وغيرها إلا أن لها في المقابل ضرائب كثيرة على القيم والأخلاق وعلى صحة الإنسان وعلى استقراره النفسي والأسري وعلى حياته الطبيعية وتتلخص تلك الأضرار في الآتي:
لم يكتف الإنسان بتطوير البحوث والتوسع في العلم وصناعة الوسائل التي من شأنها التخفيف من معاناته وتسهيل سبل الحياة وتطوير حقول المعرفة في المجالات التي تهمه كالطب والعلوم الإنسانية والوسائل الخدمية ... بل تعدى ذلك إلى تطوير المجالات والوسائل والصناعات التي من شأنها التحكم والسيطرة والعمل على استقواء فئة على الأخرى كصناعة الأسلحة والمعدات والمواد العسكرية التي تفتك بالبشر وتنشر الفوضى والخراب والرعب وتدمر في سويعات ما بناه الإنسان عبر قرون من الزمن, ويعيش العالم رعبا حقيقيا من انتشار أسلحة الدمار الشامل التي تتكالب عليها الدول وتسعى حثيثا في سبيل امتلاكها المنظمات الإرهابية والفصائل المسلحة.
وأدى الاستخدام المفرط للوسائل والخدمات والصناعات المتطورة أي الاستخدام غير الرشيد, إلى تلوث البيئة وانتشار الأمراض الخطيرة وإلى زيادة الوفيات بسبب الكوارث البيئية والبشرية وإلى طغيان الفكر المادي في مقابل تلاشي أو تراخي العديد من المفردات والسلوكيات المرتبطة بالقيم والمثل الإنسانية الأصيلة وتراجع الشعائر الروحية والعادات الجميلة وتفكك مقومات الأسرة وافتقاد الإنسان إلى الاستقرار النفسي ...
إن دخول التجارب والاكتشافات والتطورات العلمية إلى مجالات متقدمة ومتعمقة داخل الكون وفي الجسم البشري, الاستنساخ مثالا لذلك قد يولد عواقب خطيرة على مستقبل البشرية في الأخلاق والقيم, في الأنساب, استخدام الإنسان كحيوانات اختبار وتحويل أعضائه كمادة للاتجار, والعبث بأسرار الكائنات مع ما يشكله ذلك من خلل في التوازن ومخاطر طبية جمة.
إن الصناعات التقنية والوسائل الحديثة والمعدات المختلفة الأغراض التي ظهرت تباعا كمنجز للثورة العلمية والاكتشافات والتجارب والنظريات التقفتها مؤسسات ومصانع احتكرت صناعاتها وأسرارها وتصديرها فأثرت من ورائها ثراء فاحشا على حساب الدول والشعوب الفقيرة والمجتمعات المتخلفة دونما مراعاة لظروف الإنسان وحاجاته أو اعتبار لقيم ومبادئ إنسانية فطغت المصالح على ما عداها ونشأ من جراء ذلك عالمين شمال وجنوب غني وفقير .
[email protected]