[author image="http://alwatan.com/styles/images/opinion/abdalahabdelrazak.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. عبدالله عبدالرزاق باحجاج [/author]
تملك الحكومة أكثر من (60) شركة عمومية في قطاعات مختلفة وتدار بنظام القطاع الخاص، وفي كل شركة بند مالي سنوي مخصص لخدمة المجتمع، فأين، وكيف، يتم إنفاق هذه الأموال الوطنية؟ وهل هناك من رقابة حكومية ومجتمعية مستقلة عليها؟ وهل هناك أسس ومعايير يتم من خلالها صرف هذه الأموال في التنمية الاجتماعية أم المسألة قائمة وفق أمزجة القائمين على هذه الشركات؟ نطرح هذه التساؤلات في ضوء اطلاعنا على تجربة إحدى الشركات الحكومية في إنفاق هذه المبالغ سنويًّا، حيث تنفقها كشكل من أشكال الإحسان أو كمظهر من مظاهر الدعاية الإعلامية، وتنفقها على عقد ملتقيات وحفلات عشاء لصحفيين وبرتوكولات يغلب عليها الطابع الدعائي... الخ.
علما، أن الاستثمار الاجتماعي في بلادنا في أمس الحاجة لهذه الأموال أكثر من غيره، نحن نتحدث هنا عن الملايين من الريالات تصرفها كل شركة سنويًّا تحت بند المسئولية الاجتماعية دون رقابة مستقلة أو فعالة، ويقال من مصدر يعمل في إحدى هذه الشركات في صلالة أن هناك (ستة) ملايين دولار تخصصها الشركة سنويًّا للعمل الاجتماعي، وشركة أخرى (مليوني) دولار .. الخ ومهما يكن من حجم تلك الارقام، فهناك بلا شك أموال مخصصة للمجتمع، لو جمعناها فسوف نجد هناك عدة ملايين مخصصة للاستثمار الاجتماعي، ولو أنفقت على الاستثمار الاجتماعي الحقيقي لقلصت حجم الفارق في التفاوت الاجتماعي بدلا من إنفاقها على مسائل استهلاكية ودعائية.. لن يكون لها الأثر المستدام اجتماعيًّا، كما أن هناك مؤسسات حكومية معنية بدعم تلك المسائل، وهذه قضية كبيرة، يجب أن تطرح بصوت مرتفع، والصوت الأكبر الذي ينبغي أن يدوي في كل أنحاء البلاد غياب الرقابة المستقلة عن إدارات الشركات الحكومية في إنفاق الملايين المخصصة للتنمية الاجتماعية وفق ما أفاد به لنا أحد كوادر شركة حكومية، الذي أوضح كذلك عن سوء إدارة هذه الأموال، وكذلك إنفاقها في أوجه غير أوجهها المستحقة رغم قانونية فواتيرها، فإدارة الشركات لها سلطة مطلقة في كيفية إنفاقها، وقد تتبعنا مسار إحدى الشركات الحكومية، فرأينا كيف كانت تصرف هذه الأموال على الجوانب الدعائية التي تكسب بها شهرة، ورأينا كذلك كيف تقعد بها حفلات تحت مسميات كثيرة، وكيف تسخر بها سفرات وفق حجج عديدة .. ومن الأمور اللافتة طلب صحفيين جدد دعما ماليا منتظما من إحدى الشركات الحكومية علانية في ملتقى صحفي، وهذا ليس له سوى تفسيرين، إما أنهم يجهلون أخلاقيات ومبادئ مهنة المتاعب أو أنهم وجدوا الكثير قد غرقوا في معمعة الاسترزاق المهني بعد ما اكتشفوا أنهم خارج هذه المعمعة مما اثأر حفيظة واستهجان زملائهم، والصحفي أو الكاتب إذا ما تلقى دعما ماليا منتظما أو متقطعا من الشركات أو من أية مؤسسات في الداخل أو الخارج، فإن دورهم ورسالتهم سوف تتأثران بهذا الدعم مباشرة، فمن يدعمك ماليا فسوف يتحكم في دورك وفي رسالتك ويحدد أجندتك، وأقل صور الارتزاق، ما تلجأ إليه بعض الشركات الحكومية من تقديم سنويا سفريات لخارج البلاد مدفوعة الثمن بالكامل، أليست هذه أموال تنفق في غير أوجهها المستحقة؟ والمسئولية الاجتماعية ليس محصورة على الشركات الحكومية، بل هي شأن كل الشركات بما فيها الخاصة، وقد أصبح هذا التزاما اخلاقيا على عموم الشركات بعد ربط اقتصادنا بالاقتصاد العالمي وتبني البلاد نظام الخصخصة، وكذلك بعد أن أصبحت بيئتنا الاجتماعية تدفع ثمن التحولات الاقتصادية كبيرا أما بسبب استحواذ الشركات على مرافق ومشاريع اقتصادية عمومية بدلا عن الدولة أو بسبب التداعيات الناجمة عن تلك المشاريع على الطبقات الاجتماعية والبيئة والصحة .. الخ وقد عرف العالم المسئولية الاجتماعية منذ أربعين عاما، وأصبح له أساس استراتيجي في التنمية الاجتماعية أي لم يعد قائم على الإحسان، إلا أنها في بلادنا لا تزال محصورة في إطار الأنشطة التطوعية والأعمال الخيرية وبعيدا عن الدور التنموي الحقيقي وفق المقاييس العالمية للمسؤولية الاجتماعية. وحتى عندما بدأ توسيع دوره تحت توجيهات الحكومة، لم يتعد دور المسؤولية الاجتماعية سوى الإسهام في عمليات التشغيل، تحت مبدأ ” توطين الوظائف “، رغم أن إسهامه قد يبدو في جزء كبير منه شكليًّا، حيث لا تزال هناك المئات من الشركات الحكومية والخاصة يديرها مدراء اجانب وبمرتبات تقدر بالآلاف من الريالات قد تصل إلى (25) الف ريال غير الامتيازات الأخرى، ومن كثرتهم يخيل إلينا أن أصحاب الشركات الخاصة ومن يشرف على الشركات الحكومية لا نقول يفضلون المدير الوافد على المواطن، بل يكرهون العنصر الوطني ـ مجرد تخيل وفق ذلك السياق.
ومن ذلك الالتزام الأخلاقي، ينبغي على الشركات ـ عموما - أن تدمج أرباحها وهي ذات هوامش كبيرة في بلادنا، مع الاعتبارات الاجتماعية في استراتيجية واحدة، وينبغي أن يقود هذا التوجه أولا الشركات الحكومية (60 شركة) حتى تضرب المثل الذي يقتدي به في مجال المسئولية الاجتماعية والتي يطلق عليها كذلك عدة مسميات،، كمواطنة الشركات،، أو ،، المواطنة العالمية،، وهذا المسمى الأخير يعبر عن الشركات العالمية التي أصبحت تعبر السيادات الوطنية من أجل ثرواتها الوطنية، وهنا نقترح أن يتم تشكيل لجنة تخطيطية مستقلة في كل محافظة تحدد الاحتياجات التنموية لكل ولاية من ولايات المحافظة، وتقوم بتوجيه تلك الأموال بالاشتراك مع الشركات الحكومية المتواجدة في نطاقها الترابي /الإداري نحو تلبية الاحتياجات التنموية، لا بد من (التخطيط نعم التخطيط) حتى نضمن الاستفادة المثلى للأموال المخصصة للمسئولية الاجتماعية، فهناك دون شك دور لبعض تلك الشركات، لكنه إما يكون محدودا وغير مفعل أو مبعثرا أو موزعا على مسائل غير مستدامة، فلا بد من التخطيط حتى نضمن كذلك عدم تبديدها بأية صورة كانت، ونضمن كذلك تحييد البعد النفسي والشخصي التي تكون وراء ماهيات إنفاق أموال الشركات المخصصة لتنمية المجتمع.