ينطلق اليوم مؤتمر جنيف الثاني في مدينة مونترو السويسرية وسط تناقضات وعمليات تفخيخ لطريقه لم تنقطع، ذلك لكون المؤتمر بات يعبر عن قناعة تامة لدى الكثير من القوى الدولية ـ بعضها بقناعة راسخة وبعضها الآخر كمخرج لها من مأزق وضعت نفسها فيه ـ بأنه أصبح الملاذ الآمن والأقل كلفة لحل الأزمة السورية، ولذلك يمثل المؤتمر امتحانًا حقيقيًّا لطرفين: الأول يميل إلى خيار الحل السياسي والحوار الوطني ويبذل أقصى ما في وسعه من أجل انتصار إرادته، والطرف الآخر لا يريد أن يتخلى عن الإرهاب خيارًا ورهانًا يواصل به تدمير الدولة السورية والفتك بشعبها، ويواصل وضع المتاريس على الطريق وزرع حقول ألغام أمام السائرين إلى المؤتمر عله ينجح في إفشال انعقاده أو نتائجه ليصبح الطريق مشرعًا أمام إرهابه.
إلا أنه على الرغم من أهمية المؤتمر كخيار لحل الأزمة السورية سلميًّا وتجنيب الشعب السوري ويلات الإرهاب، فإن تجار الحروب والمتاجرين بحقوق الشعب السوري لا تزال تستهويهم لعبة الإرهاب والتدمير والتخريب ونقل الموت المجاني إلى الأبرياء السوريين، بل إنها لعبتهم المفضلة التي لا يجيدون سواها، وبالتالي فإن إجبارهم على العدول عن لعبة الإرهاب سيذهب نشوتهم ويفوت عليهم حفلات الدم المجنونة التي يقيمونها يوميًّا في مختلف المدن والأرياف السورية، ولذلك فهم وفي الأمتار الأخيرة من انطلاق مؤتمر جنيف الثاني لم يتوقفوا عن وضع عراقيلهم التي كان من بينها:
أولًا: الإصرار على استبعاد إيران من المشاركة في المؤتمر والطلب من بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة سحب الدعوة التي وجهها لطهران وإلا فإن "معارضة" الخارج المتشرذمين الموالين للغرب ولوكلائه لن يشاركوا في المؤتمر، في محاولة منهم لابتزاز إيران واستفزازها بحجة عدم موافقتها على نتائج مؤتمر جنيف الأول، والزعم بأنها سبب في تأجيج الأزمة من خلال دعمها للحكومة السورية ورفضها تنحي الرئيس بشار الأسد، غير أن المنطق يفرض مشاركة من هو سبب في الأزمة ـ حسب الادعاء ـ. لذلك فإن إصرارهم على استبعاد طهران هو محاولة لجرها نحو ردات فعل تمكنهم من توظيفها في عرقلة المؤتمر أو الاتفاق النووي مع الغرب.
ثانيًا: محاولة استفزاز الوفد السوري المشارك في المؤتمر ـ ليس فقط من خلال سيل من الشتايم والتصريحات المشينة بل كذلك بإجراءات استفزازية ـ كتأخير رحلته أو عدم السماح لطائرته بالهبوط، حيث رفضت السلطات اليونانية تزويد الطائرة التي تقل الوفد بالوقود، متسببة في تعليق رحلته لمدة خمس ساعات، وكذلك حال السلطات الفرنسية التي رفضت في وقت سابق السماح لطائرة الوفد السوري بعبور الأجواء الفرنسية، وطبعًا الهدف من هذه الاستفزازات هو دفع دمشق إلى ردات فعل ومواقف يمكن توظيفها في عرقلة المؤتمر أو دفعها نحو الاعتذار عن المشاركة في المؤتمر، وبالتالي اتهامها بعرقلة المؤتمر.
ثالثًا: التفجير الانتحاري الإرهابي في الضاحية الجنوبية من بيروت معقل حزب الله والذي تبنته ما يسمى "جبهة النصرة"، جاء متزامنًا مع دخول العد العكسي لانطلاق المؤتمر، وهو تفجير مقصود عله يؤدي إلى موقف ما من حزب الله أو من طهران أو من دمشق من شأنه أن يؤثر على مؤتمر جنيف الثاني. غير أن هذا التفجير ـ في تقديرنا ـ يعبر عن الغباء المستحكم، فضلًا عن حالة اليأس التي تسيطر على عصابات الإرهاب جراء تلقيها الضربات الموجعة على يد الجيش العربي السوري، بل إن هذا التفجير يخدم العنوان الذي ينعقد فيه المؤتمر وهو مكافحة الإرهاب.
إذن، رغم أن انعقاد المؤتمر يعد خطوة أولى في اتجاه الحل السياسي للأزمة ينبغي استثمارها، إلا أن طريق الوصول إليه لن يكون سهلًا، بل سيكون وعرًا، وبغض النظر عن مشاركة طهران في المؤتمر من عدمها وبغض النظر عن الاستفزازات فإن الساسة السوريين والإيرانيين من الحكمة بمكان، ولديهم وسائلهم الخاصة في التعامل مع محاولات الابتزاز وغيرها، وأما من لا يزال يراهن على الإرهاب فإنه يحارب المؤتمر حتى لا يحرر شهادة نهايته، وهذا ما لن يكون له.