[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]
بقي اليهود منتشرون في مناطق عديدة من شمال العراق، حتى بدأت محاولات تهجير يهود العراق في اربعينات القرن العشرين، وحتى عام 1950 كانوا يتواجدون في العمادية وعقرة ودهوك وزاخو والزيبار وبراواري العليا والسفلى والمزوري والدوسكي ولهم قريتان مختصتان بهم وهما (سندور) في منطقة دهوك و(بيت النور) (بي تنور) في برواري العليا، وكثير منهم في قرية براش، ويمتهنون الفلاحة وغرس الأشجار وتربية المواشي، ومنهم من يعمل في الصناعة والتجارة والحياكة، وكان لهم كنيسان في العمادية فوق القلعة وآخر في سندور ورابع في بيت النور ولهم مزار يدعى (ابن خران) داود بن يوسف بن افرايم المتوفي حوالي سنة 1620م، وإلى جانبه ضريح زوجته (الست نجاد) قرب الكنيس في العمادية، ويدعون انهم من اوليائهم وفي سنة 1950 كان عدد اليهود في شمال العراق حوالي ثلاثة عشر الف نسمة، أسقطوا جنسيتهم العراقية وهاجروا إلى إسرائيل (د.احمد سوسه، مصدر سابق ص36)، وازداد بعد ذلك الرقم من يهود الشمال ليصل إلى (21877) نسمة موزعين بين المناطق التالية (لواء الموصل 10429) و(لواء السليمانية 2514) و(لواء اربيل 5071) و(لواء كركوك 3863).
ان الإحصاءات الرسمية عن عدد اليهود الذين تم تهجيرهم الى إسرائيل منتصف القرن العشرين تستدعي دراسة اوضاع اليهود من جديد، ابتداءً من القرن السابع قبل الميلاد وحتى القرن العشرين، فمن الملاحظ ان الارقام الموثقة عن الفترة الاشورية تشير إلى جلب اكثر من اربعمئة الف يهودي من فلسطين، وتم توزيعهم بين المناطق الجبلية، وخلال القرون المنصرمة (حوالي 2800 سنة) نجد ان عدد اليهود في شمال العراق في حدود العشرين الف نسمة، واذا اخذنا المسألة من ناحية التطور الطبيعي للسكان وارتباط بقائهم بالإنجاب، فإن عددهم يفترض ان يكون اكثر من ذلك بكثير، وهنا تدخل اراء المحللين والدارسين في مناقشة هذه المسألة الحساسة، فإذا كان العلامة محمد امين زكي بك قد اشار إلى وجود طوائف ومجاميع بين الأكراد يتحدثون لهجات غريبة، وان لبعض الطوائف عادات وتقاليد غريبة ايضاً وذلك في كتابه الذي سبق ذكره (خلاصة تاريخ كردستان) فإن هناك من يرى من الباحثين، ان اولئك اليهود الذين وصلوا المناطق الجبلية في القرن السابع قبل الميلاد قد صبئوا إلى النصرانية بعد وفاة المسيح (د.احمد سوسه، ملامح يهود العراق ص51)، ويستند غالبية الباحثين في رأيهم ذلك إلى النشاط الملموس للبعثات التبشيرية المسيحية، التي اوفدها الحواريون إلى تلك المناطق للتبشير بتعاليم الدين المسيحي الجديد بينهم، ولا شك ان وجود مجاميع من اليهود في مناطق نائية لم يصل اليها احد وبعد مرور عدة قرون على وجودهم هناك، قد اثر فيهم، ومع ضعف التعليم ان لم يكن منعدماً، اذ لا تتوافر مصادر عن الحياة الثقافية والتعليمية لتلك المجاميع المبثوثة بين الجبال، فإن ذلك قد ساعد على قبول طروحات المبشرين المسيحيين وانقطاع اليهود عن مراجعهم للاستفسار عن طبيعة الدين الجديد، اضافة إلى تبعية مجاميع اليهود هناك إلى قبائل كردية اقوى واكثر عدداً، والتي قد تكون دخلت في الدين المسيحي، ودخل معها اليهود في ذلك ايضاً، وتبقى المسألة مجرد دراسة، وتدخل في ذلك عدة عناصر، وما يزيد من صعوبة التوصل إلى صورة دقيقة، هو قلة المصادر الموثقة كما اسلفنا، ويشير الباحثون إلى ان الكثير من اليهود الذين دخلوا الدين المسيحي، قد حافظوا على تقاليدهم وعاداتهم ولغتهم القديمة، وهناك قلة بين اليهود الذين حافظوا على يهوديتهم، ويؤكد المؤرخون ان اقليم حدياب الذي كان المركز الرئيس لليهود في عهد الاشوريين، قد شهد انطلاق حركة تنصر واسعة، ظهرت فيه خلال القرون الاولى للمسيحية حتى صار مركز اسقفية نسطورية في زمن مبكر من العهد المسيحي، وقد عرفت باسم اسقفية حدياب أو اسقفية اربيل، وظلت هذه الاسقفية محتفظة بمركزها المهم، بحيث ان الجاثليق النسطوري نقل مقره في عام 1280م من بغداد إلى اربيل (انظر طه باقر، مجلة المجمع العلمي الكردي ع1 1975) وصارت الجماعات المتحولة إلى المسيحية من اليهودية تعرف بالمينية (Minim) والشخص المتحول إلى المسيحية يعرف بالمين (Min) حتى صار كل مسيحي من أصل يهودي يعرف بهذا الاسم.