”.. إن أغلب الدول العربية، ودول الخليج بخاصة، معروفة بتدين أهلها وحرصهم على الإسلام. من هنا فمهمتهم هي إظهار الوجه الحقيقي للدين الحنيف والذود عنه بتطهيره من ممارسات بعض المتعصبين المتطرفين. وإذا كان هناك بعض الغربيين ـ من مفكرين وكتاب ـ يحاولون مواجهة "التنميط" في الإعلام الغربي عن الاسلام والعرب، فالأحرى بأبناء العروبة والإسلام أن يقدموا نموذجا عمليا لرفضهم هذا التطرف والإرهاب.”
ــــــــــــــــــ

هناك جدل منطقي حول مشاركة بعض دول المنطقة بشكل فعال، وربما غير مسبوق، في التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب. المبرر المنطقي للجدل بالطبع هو أن بعض دول المنطقة، خاصة الخليجية، تنتهج سياسة خارجية فعالة أكثر من المعتاد وحتى بذراع عسكري ـ أخذا بمقولة كلاوتسفيتس الشهيرة بأن الحرب هي امتداد للدبلوماسية. ورغم أن هذا الجدل منطقي، إلا أن النظرة المحافظة الشديدة تدفع باتجاه استنتاجات غير صحيحة. أول وأهم تلك الاستنتاجات المغلوطة أن دول المنطقة معنية بخطر التنظيمات المسلحة التي تتسربل بالدين لترتكب بشاعات إنسانية ربما أكثر من أميركا والغرب. وبالتالي إن كان هناك من عليه القيام بحملة استباقية فهي تلك الدول أكثر من الدول الغربية التي تخشى خطر الإرهاب. وليس الأمر أن الدول العربية والإسلامية المشاركة في تحالف مكافحة الإرهاب تتبع فقط أهداف السياسة الأميركية والغربية كما يردد بعض المتلبرلين والإخوان المسلمين.
ليس معنى ذلك ان دول الخليج، أو دول المنطقة كلها في هذا السياق، وغيرها من دول العالم لا تتبع السياسة الأميركية في أحيان أخرى وقضايا مختلفة ـ لأسباب متعددة ومتباينة ـ لكن فيما يتعلق بمسلحي التطرف المتسربلين بالدين يختلف الأمر تماما. ويصعب إغفال حقيقة ان كثيرا من عناصر تلك الجماعات، من داعش والنصرة وغيرها من الجماعات المتطرفة، هم من أبناء دول عربية وإسلامية ـ وخاصة خليجية. كما أن قدرا كبيرا من تمويل تلك الجماعات ونشاطاتها الإرهابية يأتي من تبرعات من دول عربية وإسلامية تعتقد انها تستهدف "الخير في سبيل الله ونصرة المجاهدين"، بينما هي في الواقع تغذي أسوأ ما يمكن أن يمس بالدين من حملات التشويه وتضر بمصالح العباد قبل البلاد، خاصة في المناطق التي ينشط فيها هؤلاء من سوريا والعراق.
يصعب أيضا ان يؤخذ على محمل الجد ما يروجه البعض من أن دول المنطقة تخشى "المجاهدين في سبيل الله" حرصا على مصالحهم الدنيوية فحسب. وهناك خلط متعمد يستهدف اللعب بالعقول، خاصة الشباب المتدين في دول المنطقة، بين حرص الحكام على مصالح بلادهم وشعوبهم وحرصهم على حكمهم وسلطتهم. فإذا ارتضت جماعة شكل حكم وطريقته لا يتصور أن يأتي من يرى نفسه "المفسر الأوحد الصحيح" للدين ويسعى لتغيير ذلك بالعنف والوحشية والجرائم ضد الإنسانية التي تثير اشمئزاز المسلمين قبل غيرهم في العالم. من هنا، فخطر داعش وغيرها من الجماعات المتطرفة، على دول الخليج ليس خطرا على أنظمة الحكم وطريقة إدارة أمور شعوب المنطقة بل هو خطر على أمم وشعوب تلك الدول ككل. فتلك الصورة البشعة التي يقدمها هؤلاء للدين ـ وما انزل الله بها من سلطان ـ تضر بما تحاول شعوب العرب والمسلمين تقديمه للإسلام من اسهام إيجابي أو على الأقل تفادي الوسومات السلبية لها باعتبارها "شعوبا همجية لا تعرف سوى العنف الذي يحرض عليه دينهم" ـ كما يقول بعض متطرفي الغرب.
ومنذ ما حدث في 11 سبتمبر 2001 والدول العربية والإسلامية تحاول جاهدة أن تغير الصورة السلبية التي رسخها نفر قليل من ابنائها ممن ارتبطوا بالقاعدة، وما إن كادت أن تنجح حتى ظهرت داعش والنصرة وغيرها. ومن المهم هنا الإشارة إلى أن هناك جماعات أخرى ربما تكون اقل تعرضا للضوء الآن لكنها لا تقل خطرا، ليس على الدول التي تنشط فيها فحسب بل على كل دول المسلمين ـ ولنأخذ من منها في ليبيا مثالا. ومن المهم الإشارة إلى أن تحسين الصورة لا يعني أنظمة الحكم والسلطات بقد رما يعني الشعوب والأفراد ـ فالتاجر أو الدارس أو المهني الذي يتعامل مع العالم يسيئه في عمله ومهنته أن ينظر عليه على انه "متطرف إرهابي" لمجرد انه عربي أو مسلم. ويصعب أن تحاجج بأن الغرب وبقية البشرية مخطئون في تصورهم للدين وجنس العرب، فهم لهم بالأفعال ـ وللأسف الشديد فأفعال داعش وأمثالها وحشية بما يتجاوز ما تتحمله الإنسانية.
ثم إن أغلب الدول العربية، ودول الخليج بخاصة، معروفة بتدين أهلها وحرصهم على الإسلام. من هنا فمهمتهم هي إظهار الوجه الحقيقي للدين الحنيف والذود عنه بتطهيره من ممارسات بعض المتعصبين المتطرفين. وإذا كان هناك بعض الغربيين ـ من مفكرين وكتاب ـ يحاولون مواجهة "التنميط" في الإعلام الغربي عن الاسلام والعرب، فالأحرى بأبناء العروبة والإسلام أن يقدموا نموذجا عمليا لرفضهم هذا التطرف والإرهاب. وهكذا تكاد تكون الدول المشاركة بفاعلية في محاربة الإرهاب والتطرف وكأنها تقوم بواجب "فرض كفاية" نيابة عن المسلمين أجمعين والعرب منهم بخاصة وبالأخص الخليجيين. ولا يعني هذا إطلاقا أن دولا تستشعر خطر تعرضها لمثل هذا الإرهاب، وأن يصيبها ـ لا قدر الله ـ ما اصاب العراق أو سوريا أو أفغانستان من قبلهما. لكن، ومرة أخرى، فما يصيب تلك الدول لا يقتصر على الحكام والسلطات بل يطول كل الناس وحتى جوارهم.
تبقى نقطة مهمة، وهي حجة البعض بأن تدين أهل المنطقة، وخاصة في الخليج ايضا، هو السبب في تطور أفكار الإرهابيين المتسربلين بالدين. وهنا يأتي دور عموم المسلمين من أبناء تلك الدول لثبتوا لأنفسهم وتقربا لربهم بحسن تدينهم قبل ما يكون للآخر أن الدين الإسلامي دين سماحة وحق وعدل وخير للبشرية جمعاء. أما كيف يكون ذلك، فللحديث بقية.

د. أيمن مصطفى* كاتب صحفي عربي