ناور وراوغ، واضرب واكذب، وانتهك وبرر، على مثل هذه الأساليب تسير وقائع الأحداث في المنطقة وفق المزاج السياسي وهوس التفرد ولوثة أحادية القطبية للولايات المتحدة، وبهدف البقاء إلى ما لا نهاية لاستمرار حلب ضروع النفط التي لطالما كانت نعمة ونقمة على شعوب المنطقة وتحت ذرائع أوهن من بيت العنكبوت، ولاستمرار بقاء كيان الاحتلال الإسرائيلي دون أي مهددات لزواله.
ويبدو أن المنطقة ماضية في هذا الاتجاه حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولًا، فليس هناك ما يشي بتحول جذري وحقيقي يخلص المنطقة من إسار المسرحيات الهزلية الأميركية ولكنها دموية (كتابةً وسيناريوهًا وإخراجًا) والتي يظهر من خلالها البطل والكومبارس والمخرج الأميركي حاذقًا في تأليف مسرحيات تناسب الذوق العام لطبيعة المنطقة من بدو وأعراب وحضر إلى حد الإبهار والانبهار بالقدرة الأميركية والإعجاب بالدور الأميركي في صناعة المشاهد الاستعراضية.
واليوم ليس هناك إعجاب لدى طائفة من رعايا المنطقة ـ بغض النظر عن انتماءاتهم ومكانتهم ـ أكبر من الإعجاب بمسرحية الأميركي المسماة الحرب ضد "داعش"، والإعجاب بالقدرة الهائلة لدى المؤلف الأميركي على تناسل الأفكار لمط المسرحية إلى فصول ومشاهد تمتد لسنوات ـ كما قال المؤلف والمخرج الأميركي ـ وبالتالي ما كان من تلك الطائفة من رعايا المنطقة إلا إبداء الاستعداد التام للبقاء على كراسي المسرح والدفع بالحاضر والمسبق وبالنقد الفوري وبالشيك الموقع على بياض، والاستعداد لدفع تكاليف التأليف والإخراج ورواتب القائمين بالأدوار؛ كل ذلك من أجل قضاء أمتع الأوقات والترفيه عن النفس وإشباع النزوات والشهوات.
ولذلك ليس مثيرًا للدهشة أن يخرج شخص الرئيس الأميركي باراك أوباما ويكلف نفسه الحديث عن مسرحية الحرب على "داعش" ليقول إن أجهزة استخبارات بلاده العتيدة أخطأت في تقييم وتقدير قوة تنظيم "داعش" التي انتقل عرض مسرحية حربها إلى المسرح السوري بأن تتحول ليس جاذبة للهواة والمغامرين والمراهقين فحسب، وإنما إلى جاذبة لمن أسماهم بـ"الجهاديين".
صحيح أن هذه الدعاية الأوبامية موجهة بالدرجة الأولى إلى الرأي العام الأميركي لإبعاد أي شكوك لديه حول المسرحية أو أحد فصولها اللاحقة، وتهيئة المواطن الأميركي ودعوته إلى المتابعة المباشرة لقوة الأداء الأميركي في ذلك. إلا أن هذه الدعاية يريد بها أوباما أيضًا تثبيت المعجبين بمسرحية حرب "داعش" والمشاركين فيها وضمان ما قبض من أموال وما سيقبضه لسنوات قادمة.
إن دعاية أوباما هذه تذكرنا بدعاية سلفه الرئيس جورج بوش "الصغير" الذي بعد أن ذبح العراق من الوريد إلى الوريد والدم يسيل من يديه وأنيابه، قال إن استخبارات بلاده العتيدة أخطأت التقدير وفي جمع المعلومات حول أسلحة الدمار الشامل العراقية المزعومة. فما أشبه اليوم بالبارحة، فبعد أن حجز أوباما مقعد قيادة حرب التدمير والتفتيت في المنطقة، ها هو يسرد دعايته الخاصة به بأن وكالات المخابرات الأميركية أخطأت في تقدير حجم نشاط ما يسمى تنظيم "داعش" ليضمن المضي حتى الإجهاز على دول المنطقة.
وما من شك أنها دعايات مستفزة ومغالطات مستخفة بالعقول في ضوء الضلوع الأميركي المباشر في دعم الإرهاب بتجنيد المرتزقة والإرهابيين والمتمردين وتدريبهم وتسليحهم وتمويلهم وفتح الحدود للزج بهم للعبث بدول المنطقة واستهداف شعوبها وفي مقدمتها سوريا والعراق، وفي ضوء مطالبة الكونجرس بالإفراج عن المزيد من الأموال لتجنيد المزيد من الإرهابيين وتسليحهم وتدريبهم تحت شعار "المعارضة المعتدلة". كما أنها دعايات ومغالطات تتناقض مع الإعلان الأميركي الصريح عن رغبة الولايات المتحدة في نشر الفوضى بالمنطقة.