[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/samyhamed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سامي حامد[/author]
الدبلوماسي المخضرم هنري كيسنجر مهندس السياسة الخارجية الأميركية في السبعينات من القرن الماضي أصدر كتابا له بعنوان "النظام العالمي" يحلل فيه أسس النظام العالمي الذي بات يتشكل من جديد كما يتطرق في الكتاب إلى شؤون العالمين العربي وإلاسلامي فيشرح رؤيته بشأن ظاهرة انهيار الدول في منطقة الشرق الأوسط ويرى أن دولتي سوريا والعراق اللتين كانتا منارتين للقومية العربية تفقدان الآن قدرتهما على إعادة تشكيل دولتيهما وقد لا تصبحان دولا موحدة مرة أخرى .. كما يرى كيسنجر في كتابه أن الفصائل المتحاربة في المنطقة تدعمها دول داخل الشرق الأوسط وخارجه مما أدى إلى تطور النزاعات في البلدين إلى حد بات يهدد تماسك جميع البلدان المجاورة لهما .. ويتساءل كيسنجر: إذا كانت سوريا والعراق في قلب العالم العربي غير قادرتين على استقرار الحكم فكيف سيكون الحال في دول عربية أخرى؟!.. ويجيب على ذلك بقوله إن المنطقة تنتظر تسوية إقليمية "سايكس بيكو" جديدة لتقسيم الشرق الأوسط أشبه بالتسوية التي جرت عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى.
المخضرم هنري كيسنجر إذن يتوقع أن تشهد منطقة الشرق الأوسط تقسيما جديدا بعد أن تتفكك بلدان وتنهار أخرى وتسقط أنظمة، وهذا هو في الواقع ما يحدث في الوقت الحاضر إذا نظرنا إلى خريطة الاضطرابات في المنطقة العربية بدءا من سوريا والعراق وليبيا ومصر واليمن ولبنان والسودان ومالي والصومال. فكل هذه الدول تعاني من اضطرابات داخلية وأعمال إرهابية نتيجة انهيار السلطة وانعدام القانون وحين تنهار الدولة تتحول أراضيها إلى قاعدة للإرهاب ولتهريب الأسلحة أو للتحريض الطائفي ضد الدول المجاورة، ومع تزايد هذا الفراغ في السلطة اشتعلت منطقة الشرق الأوسط ـ كما يرى كيسنجر ـ في مواجهة شبيهة بموجة الحروب الدينية في أوروبا في القرون الوسطى!!
في الواقع هنري كيسنجر يبشر بنشوب حرب سنية ـ شيعية حيث يرى أن هناك كتلة سنية تتألف من السعودية ومصر ودول أخرى تواجه كتلة بقيادة إيران الشيعية التي تدعم بشار الأسد في سوريا كما تدعم الكتلة الشيعية في وسط وجنوب العراق وحزب الله في لبنان وحركة حماس في غزة، في حين تدعم الكتلة السنية الانتفاضة ضد الأسد وانتفاضة السنة في العراق، ويرى البعض أن سيطرة الحوثيين على العاصمة اليمنية صنعاء هي الرصاصة الأولى في حرب السنة والشيعة .. والحوثيون من الشيعة الزيدية ويبلغ تعدادهم 27% من تعداد سكان اليمن ويرتكزون في صعدة التي تبعد 240 كيلومترا شمال صنعاء وأسس زعيمهم بدر الدين الحوثي حركة "أنصار الله" المسلحة التي كانت تسمى حركة "الشباب المؤمن" في العام 1992 وخاضت صراعا مسلحا مع الحكومة اليمنية أسفر عن مقتل زعيمهم حسين الحوثي في مواجهات مع الجيش اليمني العام 2004 بينما مات والده بدر الدين الحوثي في تفجير نفذه تنظيم القاعدة في اليمن عام 2010.
ما يجرى في اليمن يؤكد دون شك أن هناك مؤامرة يتم تنفيذها لإدخال دول المنطقة في صراع سني شيعي بهدف إعادة تقسيم المنطقة على أسس مذهبية عبر إدخالها في صراعات دينية سواء بين السنة والشيعة أو بين السنة والسنة ..
وإذا نظرنا إلى الأطراف الخارجية الداعمة لتلك التكتلات المتنافسة في المنطقة خصوصا الولايات المتحدة الأميركية وروسيا .. فالأخيرة تسعى إلى تعزيز موقفها أمام الولايات المتحدة ومحاصرة نفوذها في المنطقة وهو عكس ما حدث عقب حرب أكتوبر العام 1973 حيث نجحت موسكو عقب ثورة الـ30 من يونيو في التقرب من صناع القرار في القاهرة حتى عاد الدفء إلى العلاقات الروسية المصرية بشكل أثار قلق واشنطن خاصة عقب إتمام صفقة أسلحة تقوم روسيا بموجبها بتسليم مصر أسلحة متطورة تدخل لأول مرة في منظومة الجيش المصري كالمقاتلة الروسية "ميج 35" التي ستحدث تغييرا في موازين القوة في المنطقة!
أما بالنسبة للولايات المتحدة فهي في مأزق حيث إنها في الوقت الذي تدين فيه نظام بشار الأسد في سوريا وجدت نفسها مضطرة إلى مواجهة أكبر خصوم الأسد وأقصد هنا تنظيم "داعش" الذي بات يهدد استقرار سوريا وكذلك العراق ما دفع واشنطن إلى تشكيل تحالف دولي تشارك فيه عدة دول عربية لمواجهة هذا التنظيم والقضاء عليه .. والحقيقة أن الولايات المتحدة تحارب خصوم الرئيس السوري ليس دفاعا عن نظام بشار الأسد، وإنما دفاعا عن مصالحها الاستراتيجية في المنطقة وربما يكون هدف واشنطن في النهاية هو إسقاط نظام الأسد في سوريا ومحاربة داعش هو الوسيلة للوصول إلى هذا الهدف!!