[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2016/05/amostafa.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د.احمد مصطفى [/author]

للمرة الثانية منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي بين إيران والقوى الكبرى العام الماضي، تعلن إيران تخليها عن بند من بنود الاتفاق، فيما تؤكد الهيئة الدولة للطاقة الذرية أن إيران زادت بالفعل تخصيب اليورانيوم. وأعلنت طهران مجددا هذا الأسبوع أنها ستتجاوز الحدود المتفق عليها دوليا لمخزونها من اليورانيوم المنخفض التخصيب خلال 10 أيام. يأتي ذلك ردا على تشديد أميركا العقوبات على إيران بدءا من أول مايو بإلغاء الاستثناء الذي كان ممنوحا لبعض الدول لاستيراد النفط الإيراني، وفرض عقوبات على قطاع البتروكيماويات الإيراني. لكن المستهدف بالمواقف الإيرانية هم الشركاء الأوروبيون في الاتفاق النووي في محاولة للضغط عليهم لتجاوز العقوبات الأميركية. لذا أرفقت إيران إعلانها الأخير بالإشارة إلى أنه "لا يزال هناك وقت أمام الدول الأوروبية لإنقاذ الاتفاق النووي".
تضاف تلك الخطوات المتعلقة بالاتفاق النووي مع تشدد إيراني في وجه التصريحات الأميركية المطالبة بالتفاوض المباشر على "صفقة جديدة" إذ تعتبر إدارة الرئيس دونالد ترامب أن الاتفاق الذي وقعه سلفه باراك أوباما ليس عادلا ويصب في مصلحة إيران. وتصر إيران على أنه لا تفاوض في ظل العقوبات الأميركية والحشود العسكرية في المنطقة التي تشكل ضغطا هائلا على طهران. ويبدو في الظاهر أن الموقف الإيراني يشبه إلى حد ما موقف كوريا الشمالية التي تسعى واشنطن لنزع سلاحها النووي ولا تريد قيادتها توقيع صفقة قبل رفع العقوبات الأميركية والدولية على بيونج يانج. بل إن كوريا الشمالية، بعد فشل القمة الأخيرة بين ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون في العاصمة الفيتنامية هانوي في فبراير الماضي، أجرت اختبارا نوويا جديدا ونشطت برنامج صواريخها الباليستية مجددا.
لكن هذا الشبه الظاهري، الذي يدفع البعض للقول بأن إيران تعلمت من كوريا الشمالية كيف يكون الصراع التفاوضي مع أميركا، لا يصمد كثيرا أمام عدة حقائق مهمة تجعل وضع إيران مختلفا تماما عن وضع كوريا الشمالية. فبداية، كوريا الشمالية لديها برنامج إنتاج سلاح نووي بالفعل وهو ما تنفيه إيران، وتصر على أن برنامجها النووي للأغراض السلمية فقط. كما أن برنامج تطوير وإنتاج الصواريخ الكوري لا تقتصر مخاطر استمراره على تهديد حلفاء أميركا مثل كوريا الجنوبية واليابان وإنما نتيجة تصدير بيونج يانج لتلك الصواريخ لدول ليست متسقة تماما مع المصالح الأميركية في العالم. هذا الانتشار الصاروخي يختلف كثيرا عن توريد إيران لبعض منتجاتها العسكرية لجماعات موالية لها في بعض دول المنطقة. والخلاصة أن كوريا الشمالية نشطة جدا فيما تمثله من خطر نووي وصاروخي يؤدي انتشاره إلى تهديد المصالح الأميركية بشكل مباشر ربما أكثر من خطر إيران.
لكن العوامل الأخرى التي تجعل إيران ليست مثل كوريا الشمالية هي التي قد تفيد كوريا بصلفها في التعامل مع الأميركيين بالقدر الذي لا يفيد فيه التشدد الإيراني طهران. فكوريا الشمالية لديها مشكلة مع كوريا الجنوبية، الحليفة لأميركا، لكن يبقى أن الصراع في شبه الجزيرة الكورية هو بين "شعب واحد في بلدين"، وهو ما لا ينطبق على جيران إيران العرب الذين تشكل قدراتها العسكرية (والنووية المحتملة) تهديدا لهم ـ حتى وإن كانوا حلفاء أيضا للولايات المتحدة. ومع أن الأرجح أن أي تفاوض بين أميركا وإيران سيشمل أيضا قضايا تخص الجيران عبر الخليج، من قبيل الوجود الإيراني في سوريا ودعم حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن، إلا أن ذلك يختلف عما بين الكوريتين. وذلك عامل يحسب لصالح كوريا الشمالية أكثر مما هو لإيران في التعامل مع الولايات المتحدة.
يبقى أن إيران تحاول الضغط على أوروبا وغيرها من شركاء الاتفاق النووي لتحسين وضعها التفاوضي مع أميركا، إنما كوريا الشمالية حين تعود لممارسة أفعالها التي تسعى أميركا لوقفها إنما تستهدف واشنطن مباشرة. بمعنى آخر، لدى كوريا الشمالية حلفاء أهم يدعمون بيونج يانج دون التأثر بضغوط أميركية ولا "علاقة خاصة" بينهم كما بين أوروبا وأميركا. وأقصد هنا تحديدا الصين، الحليف الرئيسي لكوريا الشمالية. كما أن موقف روسيا من كوريا الشمالية يعتبر داعما لها أكثر مما هو الموقف الروسي من إيران. صحيح أن روسيا ربما تستخدم دعم بيونج يانج في صراعها المكتوم مع أميركا، لكنها لا تفعل الشيء نفسه مع إيران لأنه بالنسبة لموسكو غير مضمون النتائج كما هو الحال مع كوريا الشمالية. بل إن إجراءات إيران الضاغطة على أوروبا قد تؤدي إلى نتائج عكسية يجعلها تخسر ما تبقى من شركاء الاتفاق النووي ويضطرها إلى مفاوضات جديدة أوسع حتى مما تريده أميركا.
لكن عودة للعامل الجيو/اثني، الذي عد في رأيي الأهم، والمتعلق بالفارق بين شبه الجزيرة الكورية والطرفين العربي والإيراني على الخليج. ففي الأول، يختلف التحالف الكوري الجنوبي مع الولايات المتحدة عما يمكن عليه اتفاق التسوية بين الكوريتين (إضافة إلى الفرص الاقتصادية الواسعة للكوريين الجنوبيين في الشمال بعد التسوية، وهو ما قد يكون مجال منافسة مع الأميركيين). أما في الخليج، فالتحالف العربي مع أميركا أقوى من أي احتمالات تسوية مع إيران. وسيكون "التنافس على الفرص" فيما بعد مع إسرائيل أكثر منه مع أميركا. وربما كان هذا أكثر ما يجعل أزمة إيران تختلف عن أزمة كوريا.