مسقط ـ العمانية: يمثل موسم حصاد التمور (السح) المعروف محليا بـ (جداد النخيل) ظاهرة اجتماعية سنوية يشترك فيها جميع أفراد الأسرة العمانية (أصحاب المزارع) وتبدأ عملية حصاد التمور بصعود المزارع إلى أعلى النخلة وقطع عذوقها وإلقائها في مكان محدد على الأرض ليقوم بعد ذلك الآخرون بتجميع التمور في أكياس بلاستيكية أو أوعية خاصة مصنوعة من سعف النخيل تعرف محليًّا بـ"القفران".
ويتم تصنيف التمور بعد تجميعها من النخيل حيث يقوم أفراد الأسرة بانتقاء الصالح للأكل ويخزن للاستهلاك المنزلي أو للإهداء والبيع في الأسواق المحلية والخارجية أما التمور غير الصالحة للأكل فيتم استخدامها كغذاء للحيوانات.
ويعرف ما يتم تجميعه من تمور كغذاء للحيوانات محليًّا بـ "النفيعة" ويتم تجفيفها على أرض مستوية نظيفة يسميها البعض بـ"المسطاح" لمدة قد تصل إلى عدة أيام ثم تعبأ في أوعية أو أكياس مصنوعة من سعف النخيل تسمى محليا بـ (خصف) أو (ضميدة) وهي تستخدم منذ القدم ويمكن اعتبارها في عصرنا الحالي نوعا من الصناعات الحرفية.
أما التمور المخصصة للاستعمال الآدمي فيحرص أفراد الأسرة على تنقيتها من الشوائب جيدا ثم يتم غسلها وتنظيفها ثم تعريضها لأشعة الشمس لتلين وتسهل عملية تجهيزها ويتم كل ذلك في المسطاح أو على الدعون (وهو منتج سعفي) أو أي سطح نظيف مجهز لهذا الغرض، وبعد ذلك
تتم تعبئتها في أوان فخارية كبيرة يعرف الواحد منها محليًّا بـ (الخرس) أو (الجراب)، وفي عصرنا الحالي تكثر تعبئتها في البراميل والدلاء الحديدية والأكياس البلاستيكية.
وتتم تعبئة التمور بين فترتي الظهر والعصر بعد تعرضها لقدر كاف من أشعة الشمس لتلين وتصبح جاهزة لعملية التعبئة باستخدام وسيلتين هما: (نثرا) وهي أن تتم تعبئتها في الأوعية المخصصة وذلك بضغط التمر ضغطا خفيفا في الدلاء أو الأكياس التي تعبأ فيها وإما بما يعرف محليًّا بـ (الكنز) أي ضغط التمر بقوة في الوعاء المخصص فوق بعضه بعضا بواسطة اليدين أو باطن القدمين بعد أن تنظف القدم جيدا وتلف أحيانا بكيس نظيف حرصا على نظافة التمور وعدم اتساخها. وتتخلل عملية الكنز رش التمر إذا كان جافا بقليل من الماء ليكون أكثر ليونة وليسهل ضغطه وتعبئته.
ويحلو للبعض ممن يجد الوقت الكافي والجهد اللازم أن يعد كميات معينة لا تكون كبيرة عادة بشكل آخر فينزع من بعضها التعفروق (القموع) والنوى (الفلح) وقشر التمر ليعجن مع بعضه البعض فيما يعرف بـ(المبلط) أو ينزع النوى فقط في طريقة أخرى ويدلك باليدين بعضه البعض وهو ما يعرف محليا بـ (المدلوك) أو (المفسخ) لفسخ القشر عن التمر فيما يشبه عملية الطحن التي تتم الآن في مصانع انتاج التمور حيث تقدم هذه المنتجات الخاصة خلال شهر رمضان المبارك اذا صادف حلوله في أشهر الشتاء أو في غيرها.
وبحسب الرغبة قد يضاف إلى المدلوك الهيل وماء الورد فيما يعرف محليًّا بـ (الـمعبوك) وعادة يتم ذلك في أوقات محددة كما في مائدة الإفطار الرمضاني او للضيوف خلال تناولهم القهوة العمانية.
ولإضفاء نكهة للتمور المعبأة لا سيما (المفسخ والمدلوك) فيمكن نثر قليل من السنوت (الكمون) عليها وكذلك السمسم أو المكسرات وهو ما يعطي مذاقا أشهى للتمر. ومن أنواع التمور التي تعبأ للأكل (الخلاص، والزبد، والفرض، والخصاب، والبرني، والحنظل، وبو نارنجة، والمضارب، والخنيزي، والمدلوكي، والنغال، والمهلبي، والنعيم، وأبو دعن، والحمري، والسوادي، والصرنا، والبلعق، والمبسلي، وغيرها).
وفي الماضي تكثر تعبئة التمور في أوعية وأكياس ومواد مصنوعة محليا من سعف النخيل وترتب في مخازن التمور المخصصة لذلك حيث لا تصل إليها الرياح ولا تتأثر بعوامل الطبيعة بسهولة وهو ما يتيح إمكانية إنتاج عسل التمر المعروف محليا بـ (الدبس) وفي طليعتها تمور "الفرض".
ويتم إنتاج عسل التمر بتهيئة المكان المخصص للتمور (مخزن التمور) بحيث يرتب التمر فوق بعضه البعض، ونتيجة لضغط أوعية التمر المصفوفة فوق بعضها، يتسرب العسل من ثنايا (الجراب أو الوضيع) ليسيل من أعلى المخزن إلى أرضيته التي أعدت بشكل هندسي لتكون شبيهة بمسارات الأفلاج لتصب في حفرة صغيرة تعرف محليا بـ (الخبة أو طلال) تنظف وحين امتلائها يعبأ الدبس في أوعية مخصصة.
ونجح البعض في استخدام المنتجات البلاستيكية لإنتاج الدبس بديلا عن المنتجات السعفية حيث استعاضوا بالبراميل البلاستيكية لإنتاج عسل الدبس العماني الذي يستخدم في استخدامات عديدة وتضاف إليه حسب الرغبة بعض البهارات كالفلفل الاسود لإضفاء نوع من النكهة عليه.