[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/fayzrasheed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. فايز رشيد[/author]
” إن ما يجري لمخيمات الفلسطينيين في سوريا وبخاصة مخيم اليرموك، هو استهداف تآمري لمسحه عن الخارطة، فالمخيم ليس الأول الذي يتعرض إلى هكذا أحداث فمن قبل جرى استهداف مخيم تل الزعتر الذي تعرض لمذبحة، ثم جرى استهداف مخيم شاتيلا وتم ذبح المئات من سكانه بدم بارد على أيدي القوى الفاشية اللبنانية ومشاركة القوات الإسرائيلية، في ظل مراقبة شارون.”

غالبية المخيمات الفلسطينية في سوريا وبالأخص المخيم الأكبر فيها مخيم اليرموك يتعرضان لأقسى حملة تجويع واستهداف تآمري، بهدف القضاء عليها لمسح ظاهرة المخيمات، كدليل أبرز على أهمية حق العودة للاجئين الفلسطينيين. لقد بلغ عدد الضحايا نتيجة للصراع القائم في سوريا لغاية 11 يناير من هذا العام 1908م ضحايا فلسطينية موثقة ( إلى جانب عدد غير الموثقين)، منهم 34 ضحية ماتوا جوعاً في مخيم اليرموك. هذا يحدث في القرن الزمني 21. منذ أواخر عام 2012 م دخلت جماعات مسلحة كثيرة إلى المخيم، على اعتباره إحدى بوابات دمشق. أعضاء هذه الجماعات استولوا على جزءٍ كبير من مؤونة المخيم، وكذلك احتلوا بيوتاً كثيرة، وعاثوا فساداً فيه، وعند الاشتباكات مع القوات السورية ونتيجة للقصف الذي يستهدفهم فإن غالبية الضحايا هم من سكان مخيم اليرموك. القوى والفصائل الفلسطينية إضافة إلى وجوه المخيم يعقدون الاجتماعات المتتالية لتنظيم شؤون المخيم، ولتشكيل لجان أمنية غير مسلحة تشرف على أمنه. وللتأكيد على حيادية المخيم، فمنذ اندلاع الأحداث في سوريا، أخذ الفلسطينيون موقف النأي بالنفس في الصراع الدائر هناك. كثيرون من أهالي المخيم ممن تبقوا فيه بعد هجرة أعداد كبيرة من سكانه ماتوا قصفاً! في بداية الأحداث استوعب المخيم عشرات الآلاف من المهاجرين السوريين إليه باعتباره موقعاً آمناً،غير معني بما يدور من أحداث.
الهجرة من المخيمات الفلسطينية في سوريا وبالأخص مخيم اليرموك كبيرة. يبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين في سوريا(450) ألف لاجئ.أما عدد المهجّرين من هؤلاء وفقاً لإحصائيات الأونروا فيبلغ(270) ألف مهجّر (200) ألف في دمشق، (6) آلاف في حلب (4500) في اللاذقية (3050) في حماة (4450) في حمص (12)ألفا في درعا. هذا فقط في سوريا. أما في لبنان فيبلغ عدد المهجرين 51300 مهجر(31% في صيدا،19% في صور،18% في بيروت،16%في كل من الشمال والبقاع،51% من هؤلاء موجودين في المخيمات والباقي في تجمعات غير رسمية). في الأردن بلغ عدد المهجرين الفلسطينيين 10678 مهجراً. بالطبع فإن الذين بقوا في المخيمات أو أولئك الذين هاجروا منها يعيشون ظروفاً قاسية في غاية التعقيد، في مصر يتواجد 6 آلاف لاجئ،في ليبيا 1100 لاجئ، في غزة ألف لاجئ.
المعاناة التي يعيشها المتبقون في المخيمات بالإضافة إلى صعوبة الحفاظ على الذات هي: فقدان المواد التموينية الأساسية, تصوروا أن يموت كثيرون من الجوع. إضافة إلى معاناة البرد القاتل الذي جاء غاية في القسوة هذا العام, مع افتقاد للغاز أو الكاز، تصوروا أن يموت طفل في حضن أبيه نتيجة افتقار الحليب! يقاسون معاناة شح الإمدادات, فإضافة إلى رفض المسلحين للخروج من المخيم, وعدم تنفيذ الاتفاقيات التي تتم مع الفصائل الفلسطينية, فإن هؤلاء يطلقون النار على أية شاحنات للأونروا التي تحمل الأغذية والأدوية والسلع الأساسية الحياتية.لقد حدث ذلك مراراً وعادت الشاحنات من حيث أتت. مؤخراً جرى السماح لبعض الشاحنات بالدخول, وتم إخراج بعض الجرحى وليس كلهم وهؤلاء في أمس الحاجة إلى العلاج. كذلك ممنوع على المتبقين الخروج من المخيم.أما الشهداء فإن العديدين منهم يظلوا مجهولي الهوية، أو يجري تشويه جثثهم. كذلك فإن بعض أهالي الشهداء لا يريدون توثيق شهدائهم لأسباب أمنية، عدا عن الإعدامات الميدانية لعائلات بأكملها( مثل أفراد من عائلة عبد ربه،وعائلة البشر في مجزرة دوما بتاريخ 28/6/2013) وأفراد من عائلة المصري في مجزرة يلدا بتاريخ 14/9/2013.أما عدد الجرحى من الفلسطينيين فيفوق 1800 جريح وعدد المعتقلين نحو 400 معتقل.
إن ما يجري لمخيمات الفلسطينيين في سوريا وبخاصة مخيم اليرموك, هو استهداف تآمري لمسحه عن الخارطة, فالمخيم ليس الأول الذي يتعرض إلى هكذا أحداث فمن قبل جرى استهداف مخيم تل الزعتر الذي تعرض لمذبحة, ثم جرى استهداف مخيم شاتيلا وتم ذبح المئات من سكانه بدم بارد على أيدي القوى الفاشية اللبنانية ومشاركة القوات الإسرائيلية, في ظل مراقبة شارون. وتم استهداف مخيم جنين وارتكاب مجزرة فيه، وتم استهداف مخيم نهر البارد وطرد اهله, وبعد اعمار جزء بسيط منه تم إعادة عدد صغير من سكانه. كذلك جرى استهداف الفلسطينيين في ليبيا، وتم ترحيلهم إلى الصحراء، وجرى تهجير غالبية فلسطينيي العراق إلى الصحراء وإلى الحدود الأردنية-العراقية. وإذا ما ربطنا هذه المسألة مع فتح باب الهجرة للفلسطينيين إلى دول كثيرة في العالم, وعلى الأخص إلى الدول الأوروبية يتضح الهدف الأساسي من استهداف الفلسطينيين في مواقع عدة بهدف التخلص من تعبير" اللاجئين الفلسطينيين " بالتالي التخلص من قرار حق العودة للاجئين الفلسطينيين, وفقاً لقرارات الأمم المتحدة وأبرزها القرار 194والذي أتاح مثل هذا الحق لهم: بالعودة إلى وطنهم وإلى مدنهم وقراهم وإلى أراضيهم.
وإذا ما ربطنا ذلك بما يجري حالياً من محاولات محمومة لتصفية القضية الفلسطينية, وبخاصة القضاء التام على حق العودة شكلاً ومضموناً, يتضح بلا أدنى مجالٍ للشك:أن النقطة الأولى لمسح هذا المفهوم من الوجود تبدأ أولاً بالقضاء على المخيمات, وتوطين لساكنيها في البلدان التي يقيمون فيها. أو محاولة تهجير قسم كبيرٍمنهم إلى دول أخرى.هذا هو جوهر الحل الأميركي الذي يطرحه وزير الخارجية كيري، أما ما اقترحه من إرجاع عدد رمزي من اللاجئين إلى منطقة 48 تحت مسمى" لم شمل العائلات", فإسرائيل ترفض هذا الاقتراح رفضاً مطلقاً. حتى مسألة التعويض للاجئين عن أراضيهم وممتلكاتهم يرفضها الكيان الصهيوني. في السنوات الأخيرة طرحت إسرائيل أهمية التعويض على (اللاجئين) اليهود من الدول العربية إليها، بالرغم من أنها عملت بكل الأشكال(بما في ذلك تفجير كُنس في الدول العربية لجعل إقامة اليهود في هذه الدول محفوفة بالمخاطر والتهديدات) بالطبع فإن يهود الدول العربية هم من اختاروا الهجرة إلى إسرائيل وليس كما يقول البعض من أنه جرى تهجيرهم،(في الحالة هذه فإنهم يرددون وجهة النظر الإسرائيلية ويلتقون معها) وقاموا بتصفية أملاكهم قبل المغادرة لأماكنهم. إسرائيل تقوم بتزوير التاريخ بهدف مساواة التعويض للاجئين الفلسطينيين ومن تسميهم( اللاجئين اليهود).
حق العودة عماد رئيسي للحقوق الوطنية الفلسطينية الأخرى، التي لا تقل أهمية عنه. ليس بمقدور أية قيادة فلسطينية إلغاء هذا الحق أو التنازل عنه.هذا الحق منطبع في قلوب أبناء شعبنا السابقين واللاحقين(من الذين لم يعاصروا النكبة من الجيل الثاني والآخر الثالث). ومهما حاولوا إضاعة هذا الحق بطرق متعددة ووسائل مختلفة لن يستطيعوا، فحتى أولئك من الذين هاجروا إلى دول أخرى ما زالوا متمسكين بهذا الحق، أما بالنسبة للمؤامرات التي تستهدف حالياً المخيمات في سوريا وبالأخص مخيم اليرموك، فلن تُجدي نفعاً في إلغاء حق العودة بالنسبة للاجئين الفلسطينيين.