[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedbinsaidalftisy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد بن سعيد الفطيسي[/author]
”ان القطاع الخاص في السلطنة يتشارك اليوم وفي المستقبل مسؤولية تعزيز الأمن الوطني مع القطاع العام أو الحكومة، ويتحمل معها المسؤولية الأمنية في تعزيز السلم الأهلي والمحافظة على الأمن والاستقرار ورفع سقف تحفيز روح المشاركة والتعاون في التنمية الاجتماعية والإنسانية وذلك من خلال جوانب كثيرة تبدأ من المساهمة في الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والنفسي والوظيفي لليد العاملة الوطنية والوافدة،”
ـــــــــــــــــــ
في الحقيقة ما زلت استغرب التناقض الفاضح وازدواجية المعايير التي تتعامل بها "بعض" وليس كل مؤسسات القطاع الخاص العاملة في السلطنة مع الحق الأخلاقي والإنساني الذي يفرض عليها طواعية المشاركة في بناء الوطن وتنميته وتعزيز استقراره وأمنه الداخلي والقومي من خلال تفعيل تلك المسؤوليات الطوعية، كاتباع سياسة توظيف منصفة وتعزيز الأمن الوظيفي للعاملين بها، والالتزام بالأعمال الإنسانية والتنموية الوطنية بمختلف توجهاتها ومرئياتها الوطنية، رغم أنها ـ أي ـ تلك الشركات والمؤسسات نفسها ممثلة في مكاتبها الرئيسية في دول المنشأ تقوم بذلك الحق الطوعي بكل سلاسة وبدون مطالبة رسمية، بل وتتشارك والحكومة العديد من المشاريع التنموية والاقتصادية التي تساهم في تعزيز امن واستقرار ذلك البلد، وان دل هذا على شيء فإنما يدل على عدم حرص تلك المؤسسات والشركات المستثمرة أيا كان نوعها وطنية او عابرة للقارات على خدمة الوطن والمشاركة طواعية في التنمية الوطنية والاستقرار الأمني والإنساني.
ولو عدنا قليلا إلى الوراء وتحديدا من خلال الأحداث التي عصفت بمعظم دول العالم فيما أطلق عليها "بالربيع العربي" مع تحفظنا على هذا المصطلح، لتؤكد لنا خطورة وأهمية الدور الذي يلعبه القطاع الخاص في تعزيز الأمن والاستقرار العالمي والوطني مشاركة ومناصفة مع القطاع العام للدولة، ونحن هنا بكل تأكيد لا نعمم هذا التقصير في الحق الوطني، ولا نحاول التقليل من الولاء الوطني أو الانتماء المؤسساتي والوطني لذلك القطاع، بل نحرص على التذكير بذلك الحق والتأكيد على خطورة التقصير أو التهاون في طواعية عمل تلك المؤسسات في تعزيز الجانب الإنساني والأخلاقي على الأمن الوطني، فهناك علاقة تناسب عكسية بين التنمية الاقتصادية وتقويض الأمن الوطني، فكلما تزايدت مظاهر الإصلاح الاقتصادي والإنساني بوجه عام في قطاعات الدولة المختلفة، انحسرت معها مظاهر تقويض الأمن الوطني وارتفع سقف الاستقرار والأمن، والعكس صحيح بكل تأكيد.
وقد كان من الملحوظ على تلك الأحداث من خلال جانب المطالبات الجماهيرية والشبابية، خصوصا في جانب الاقتصادي، والتي تسببت بخسائر فادحة في الاقتصاد العالمي والوطني، من خلال الإضرابات العمالية والأعمال التخريبية التي طالت المؤسسات العامة والخاصة تركيزها على الرواتب والبدلات بما يحقق جانب الأمن الوظيفي والعيش الكريم وليس فقط الارتفاع بالراتب إلى مستوى أعلى، كما تركزت في جانبها الآخر على بعض الحقوق الإنسانية والصحية والاقتصادية كالإجازات والتأمينات وبعض التجاوزات الإدارية والإنسانية، وهو ما يؤكد ان استقرار مختلف قطاعات الدولة، ومن ضمنها القطاع الخاص هو استقرار للوطن وان خلاف ذلك سبب رئيسي لتقويض الأمن الوطني.
وعليه فإن القطاع الخاص في السلطنة مدعو طواعية إلى المساهمة في شراكة وطنية لرفع سقف ومستوى الحقوق الإنسانية والأخلاقية العابرة للقارات والتي حرصت علي تحقيقها وتحفيزها القوانين والمواثيق الأممية والوطنية، بما يضمن ويحقق الاستقرار لها وللوطن الذي تعمل على ثراه وتنتفع من ثرواته وخيراته، ومن أهم تلك المبادئ العشرة للاتفاق العالمي لحقوق الإنسان ومعايير العمل والبيئة ومكافحة الفساد:
ضرورة ان تعمل المؤسسات التجارية على دعم حماية حقوق الإنسان المعلنة دوليا واحترامها، والتأكيد على أنها ليست ضالعة في انتهاكها، والعمل على احترام حرية تكوين الجمعيات والاعتراف الفعلي بالحق في المساواة الجماعية والقضاء على أشكال السخرة والعمل الجبري، وكذلك القضاء على عمل الأطفال والتمييز في مجال التوظيف والمهن، وضرورة التشجيع على اتباع نهج احترازي إزاء جميع التحديات البيئية والاضطلاع بمبادرات لتوسيع نطاق المسؤولية عن البيئة وتشجيع التقنيات غير الضارة بالبيئة ونشرها وأخيرا مكافحة الفساد بكل أشكاله بما فيها الابتزاز والرشوة.
وقد سبق واشرنا في الجزء الأول من هذا المقال إلى حرص المقام السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ على توجيه جزء كبير من خطابه في مجلس عُمان بتاريخ 12 نوفمبر 2012م إلى القطاع الخاص، وليس ذلك سوى دليل على أهمية ذلك القطاع وأهمية اكبر إلى دوره في المساهمة في جانب الشراكة الوطنية في التنمية والبناء والعمران والحرص على تنمية الجانب الإنساني والأخلاقي لهذا القطاع كحق تطوعي يلزمه ذلك تجاه الوطن والمجتمع.
وفي هذا السياق جاء في الكلمة السامية المشار إليها سابقا: ان القطاع الخاص هو أحد الركائز الأساسية في التنمية سواء بمفهومها اﻻقتصادي الذي يتمثل في تطوير التجارة والصناعة والزراعة والسياحة والمال واﻻقتصاد بشكل عام أو بمفهومها اﻻجتماعي الذي يتجلى في تنمية الموارد البشرية وتدريبها وتأهيلها وصقل مهاراتها العلمية والعملية وإيجاد فرص عمل متجددة وتقديم حوافز تشجع اﻻلتحاق بالعمل في هذا القطاع ـ ثم أكدت كلمة جلالته على ضرورة إزالة الانطباع بأن - القطاع الخاص يعتمد على ما تقدمه الدولة وأنه ﻻ يسهم بدور فاعل في خدمة المجتمع ودعم مؤسساته وبرامجه اﻻجتماعية، وأنه ﻻ يهدف إﻻ إلى الربح فقط وﻻ يحاول أن يرقى إلى مستوى من العمل الجاد يخدم به مجتمعه وبيئته ووطنه.
حيث إن مثل هذا اﻻنطباع - كما أكد ذلك جلالة السلطان حفظه الله وهو ما يؤكد الدور المحوري والوطني للقطاع الخاص في التنمية وتعزيز الأمن الوطني - لن يضر بمستقبل القطاع الخاص فحسب بل إن أثره السلبي سوف يمتد إلى خطط التنمية في البلاد ﻻ سيما خطط تنويع مصادر الدخل، لذلك فإن القطاع الخاص مطالب بالعمل على إزالة هذا اﻻنطباع من اﻷذهان واتخاذ خطوات عملية مدروسة وناجعة في هذا الشأن بزيادة إسهاماته في التنمية اﻻجتماعية ومشاركة الحكومة بهمة وعزم في تنفيذ سياساتها في هذا المجال والعمل يدا بيد مع مؤسسات المجتمع المدني التي تنشط في ميدان الخدمات اﻻجتماعية واﻹنسانية.
خلاصة الأمر، ان القطاع الخاص في السلطنة يتشارك اليوم وفي المستقبل مسؤولية تعزيز الأمن الوطني مع القطاع العام او الحكومة، ويتحمل معها المسؤولية الأمنية في تعزيز السلم الأهلي والمحافظة على الأمن والاستقرار ورفع سقف تحفيز روح المشاركة والتعاون في التنمية الاجتماعية والإنسانية وذلك من خلال جوانب كثيرة تبدأ من المساهمة في الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والنفسي والوظيفي لليد العاملة الوطنية والوافدة، ومرورا بالمشاركة الاجتماعية والأهلية مع جميع فئات المجتمع والحكومة، وليس انتهاء بدوره في تحقيق الأمن الوطني من خلال التعاون البناء والمثمر مع الأجهزة الأمنية والعسكرية في البلد.
لذا فإنني أدعو الحكومة إلى عقد مؤتمر وطني يختص بدور القطاع الخاص في تحفيز أمن الأفراد والمجتمع والدولة او ما يطلق عليه بالأمن الوطني بوجه عام من خلال ما يطلق عليه برفع مستوى الأمن الإنساني في مؤسساته المختلفة، وذلك من خلال تناول الجوانب التالية:
(1) تعريف مفهوم الأمن الإنساني ودور القطاع الخاص في هذا الجانب.
(2) تناول القوانين الوطنية والمواثيق والمعاهدات الدولية التي تتناول تعزيز هذا المفهوم وتدعو القطاع الخاص لتعزيزه والدفع به إلى دور المشاركة الوطنية الفاعلة.
(3) رسم خطة وطنية موحدة وموثقة للتعاون الوطني بين القطاعين الخاص والعام في جانب الأمن الإنساني.
(4) التوصل إلى منهجية مشتركة للتعاون من اجل مصلحة مشتركة بين القطاعين العام والخاص تهدف إلى رفع سقف الأمن وتحفيز الاستقرار الوطني من خلال الجانب الإنساني.
(5) التوصل لميثاق شرف وطني ملزم وليس طوعي بين الحكومة وجميع شركات القطاع الخاص القائمة والقادمة الى السلطنة يلزمها التطوع في المشاركة في التنمية المحلية بمختلف فروعها الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية وما إلى ذلك، والمساهمة ايجابيا في الحفاظ على الاستقرار والأمن والسلم من خلال آليات التوعية الوطنية وثقافة المشاركة وتحفيز كوادرها العاملة بمختلف فئاتها وقطاعاتها الوطنية وغير الوطنية.
كل ذلك بالطبع يحتاج منا إلى جهد وطني وتعاون مشترك بين أطراف الإنتاج، وخطة وطنية متكاملة لتحقيق ذلك الهدف خلال الفترة القادمة، مع ضرورة إجراء مسح شامل ودراسة وطنية متكاملة تتناول هذا الجانب ـ أقصد - تحسين جانب الأمن الإنساني في مختلف قطاعاتها الإنتاجية في مؤسسات القطاع الخاص العاملة في السلطنة، والالتزام بحقوق الإنسان والمشاركة في تعزيز السلام والأمن الوطني وترسيخ الرابطة بين السلوك الأخلاقي والأداء المادي وهدف الربح كغاية لتلك المؤسسات.
وفي النهاية يجب ان يدرك الجميع بلا استثناء ان عمان الغالية تستحق منا كل هذه الجهود المبذولة، وان هذا الوطن وخدمته والرفع من مكانته والارتقاء بتنميته وتنمية أفراده ومؤسساته وتحفيز المشاركة الوطنية في نهضته والمحافظة على أمنه واستقراره هي مسؤولية الجميع، والذي بدوره سيعود بالخير والنماء والتقدم على الجميع، وبكل تأكيد الربح والفائدة المادية على أطراف الإنتاج في هذا الوطن العزيز.