لم يخالف مؤتمر جنيف الثاني الذي انطلق أمس بمدينة مونترو السويسرية التوقعات بأن يكون بازارًا للتراشق الكلامي، لكنه لم يخرج عن واقع الأزمة السورية ميدانيًّا وسياسيًّا ودبلوماسيًّا، من حيث وجود طرفين أصيلين في الأزمة: طرف يحارب الإرهاب محاولًا إخماد نيرانه وشرره والحيلولة دون تفشيه وتجذره على أرض سوريا، وتجنيب شعبها من مخاطره المدمرة التي لم توفر بشرًا ولا حجرًا ولا شجرًا، ويتمثل هذا الطرف في الوفد السوري والوفد الروسي وبعض العقلاء والحكماء الذين انطلقوا في مواقفهم الرافضة للإرهاب والتدمير والتخريب ومحاولة إثارة النزعات الطائفية والمذهبية من منطلق إنسانيتهم وضمائرهم الحية، ومحاولة إيصال رسالة إنسانية ورسالة محبة وسلام وإخاء إلى الأحرار والشرفاء في هذا العالم، ووضعهم في صورة الحقيقة الطاغية على مفاصلها نيران الإرهاب الكوني والمتعاظم في سوريا وجوارها. في حين بدا الطرف الثاني الداعم للإرهاب متمسكًا بخياره واتباع أساليب التحريض والتأليب والتشويه، وحرف واقع الأزمة السورية ومعاناة الشعب السوري من الإرهاب وأدواته ومن تدخلات المتاجرين بدمائه وحقوقه، إلى شخصنتها واختزالها في رمز الدولة السورية وهو شخص الرئيس بشار الأسد الرئيس الشرعي المنتخب والذي يمثل قاعدة استقرار سوريا ووحدتها من التفسخ والتفكك، وكذلك محاولة تشويه صورة الجيش العربي السوري الذي قدم تضحيات في سبيل الدفاع عن الكرامة العربية والحقوق العربية، والإصرار على تشويه تضحياته من أجل صون وحدة سوريا وحماية شعبها من المؤامرة الإرهابية والتدميرية، وتكبده المشاق انطلاقًا من مسؤوليته الشرعية والقانونية لملاحقة عصابات الإرهاب، وتأمين القرى والملاذات وإيصال المواد الغذائية والمساعدات الإنسانية إلى المكتوين بنار العصابات الإرهابية.
بتعبير آخر، كانت الجلسة الافتتاحية لمؤتمر جنيف الثاني صورة مصغرة للمؤامرة المدبرة ضد سوريا وشعبها، حيث تميزت الأطراف الأصيلة والوكيلة والعميلة في المؤامرة بمواقفها الشاذة كالعادة، مثلما كان التحلي بالشجاعة والمقارعة بالحجة والاستبسال في مقاومة الإرهاب وأدواته وداعميه بادية وواضحة في مواقف الممثلين الشرعيين للشعب السوري وأولئك المدافعين عنه بحق.
وكم هو مؤلم أن تصر أطراف المؤامرة على جعل مؤتمر جنيف الثاني أداة لإضفاء الشرعية على الإرهاب الذي تدعمه في سوريا، دون أدنى اكتراث بآلام ومواجع الشعب السوري التي اتخذتها وقودًا لحناجرها التي لا تتقن إلا لغة الإرهاب والفتن والتدمير والتفتيت، واتخذت دماءه مدادًا تخط بها كلماتها المعبرة عن الحقد والكراهية والرغبة في نثر بذور الفتن والتطاحن.
واضح أن الإصرار على الإرهاب وكذلك الإصرار على إخفاء الرئيس الشرعي بشار الأسد عن المشهد السياسي، واختزال الأزمة التي افتعلوها ودبروا مؤامرتها بليل في شخص الرئيس السوري، هو بهدف فتح الطريق أمام مؤامرتهم ضد سوريا وإكمالها، بعدما رأوا أن وجوده والتفاف الشعب السوري حوله وحول الجيش العربي السوري يحول دون تحقق مؤامرتهم، وبالتالي سيرتد عليهم الإرهاب الذي صنعوه ودعموه، ما سيجلب عليهم العار ويكتب لهم نهاية مأساوية، نتيجة إصرارهم على كي الشعب السوري بنار إرهابهم ورضاهم على تمددها في الجوار السوري.