ـ تزداد قوة التأثير في فترات التراخي الاقتصادي وحين يكون الاستثمار عالي الكفاءة
ـ إذا تم الاستثمار بصورة صحيحة فإن الدفعة التي يتلقاها الناتج تعوِّض الدين المقترض

واشنطن ـ "الوطن":
تمثل البيئة العالمية الحالية التي يسودها النمو دون المتوسط داعياً قويًّا لزيادة الاستثمار العام في البلدان التي تتوافر فيها الظروف المناسبة، وفقاً لما تخلص إليه دراسة جديدة أعدها خبراء صندوق النقد الدولي. وتنظر الدراسة التي ينشرها هذا الشهر من تقرير آفاق الاقتصاد العالمي في الآثار الاقتصادية الكلية للاستثمار العام في عدد كبير من البلدان، وتفيد نتائج الدراسة بأن الوقت مناسب للعمل على تحسين البنية التحتية في البلدان التي لديها احتياجات في هذا المجال. ويُلاحَظ أن كثيراً من الاقتصادات المتقدمة محصورة في بيئة من النمو المنخفض وارتفاع نسبة الباحثين عن عمل، وأن تكاليف الاقتراض منخفضة، وتعتبر زيادة الاستثمار في البنية التحتية واحدة من أدوات السياسة القليلة التي يمكن استخدامها لدعم النمو. وفي كثير من اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، بدأت اختناقات البنية التحتية تشكل كابحا للسرعة التي يمكن أن يحققها النمو في هذه الاقتصادات.
وتمثل البنية التحتية العمود الفقري للحياة اليومية، حيث تشكل ركيزة للنشاط الاقتصادي، فلا يوجد نشاط لا يعتمد على البنية التحتية بشكل أو بآخر، ومن ثم فإن قصور البنية التحتية أمر يشعر به الجميع على الفور ـ حيث تؤثر انقطاعات الكهرباء وعدم كفاية إمدادات المياه وتهالُك الطرق تأثيراً سلبيًّا على جودة حياة الشعوب وتضع حواجز كبيرة أمام عمل الشركات. وقد شهد رصيد رأس المال العام ـ الذي يمثل متغيراً بديلاً للبنية التحتية ـ انخفاضاً كبيراً على مدار العقود الثلاثة الماضية، وفي اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، توجد فجوات كمية فادحة في البنية التحتية التي يستفيد منها كل فرد، فعلى سبيل المثال، تبلغ طاقة توليد الكهرباء في اقتصادات الأسواق الصاعدة خُمس المستوى المقابل في الاقتصادات المتقدمة فقط، وفي البلدان منخفضة الدخل، تبلغ هذه الطاقة حوالي ثمُن المستوى المقابل في اقتصادات الأسواق الصاعدة، وفي بعض الاقتصادات المتقدمة، يشهد رصيد البنية التحتية القائم تدهوراً في مستوى الجودة بسبب القِدَم وقصور الصيانة.
جسور النمو
تخلص الدراسة إلى أن زيادة الاستثمار في البنية التحتية العامة يؤدي إلى ارتفاع الناتج على المدى القصير من خلال دفع الطلب وعلى المدى الطويل من خلال زيادة الطاقة الإنتاجية في الاقتصاد.
وفي عينة من الاقتصادات المتقدمة، أدت زيادة الإنفاق الاستثماري بمقدار نقطة مئوية واحدة من إجمالي الناتج المحلي إلى رفع مستوى الناتج بنحو 4ر0% في نفس العام و5ر1% بعد أربع سنوات من الزيادة، وبالإضافة إلى ذلك، فإن الدفعة التي يتلقاها إجمالي الناتج المحلي من زيادة الاستثمار في البنية التحتية العامة تؤدي إلى زيادة الدين، مما يَحُول دون ارتفاع نسبة الدين العام إلى إجمالي الناتج المحلي.
وبعبارة أخرى، فإن الاستثمار في البنية التحتية العامة يمكن أن يغطي تكاليفه بالكامل إذا تم بصورة صحيحة. آثار الاستثمار في البنية التحتية يحددها عدد من العوامل:
غير أن التقرير يحذر من التركيز على زيادة الاستثمار في البنية التحتية من خلال أي مشروع وحسب، فمكاسب الاستثمار في البنية التحتية تعتمد على الظروف التالية:
ـ درجة التراخي الاقتصادي: تزداد الدفعة التي يتلقاها الناتج إلى حد كبير كلما جاء تنفيذ الاستثمار العام أثناء فترات التراخي الاقتصادي وتيسير السياسة النقدية، علماً بأن تيسير السياسة النقدية يحد من ارتفاع أسعار الفائدة استجابة لزيادة الاستثمار.
ـ كفاءة الاستثمار العام: كذلك تزداد الآثار على الناتج في البلدان التي تتسم باستثمارات عامة عالية الكفاءة، حيث لا يُهدر الإنفاق الإضافي على الاستثمار العام ويخصص لمشروعات عالية العائد.
ـ كيفية تمويله: وبالإضافة إلى ذلك، تشير الأدلة المستمدة من الاقتصادات المتقدمة إلى أن الاستثمار العام الممول بإصدار الديون يترك آثاراً أكبر على الناتج حين يمول من خلال زيادة الضرائب أو تخفيض نفقات أخرى.
اختر المشروعات الصحيحة واستثمر بكفاءة
هناك مبررات قوية لزيادة الاستثمار العام في الاقتصادات ذات الاحتياجات واضحة التحديد في مجال البينة التحتية والتي تتسم بكفاءة عملياتها الاستثمارية العامة وتشهد تراخياً في نشاطها الاقتصادي.
وهناك احتياجات ملحة لتعزيز البنية التحتية في كثير من الاقتصادات دعماً للتنمية الاقتصادية، غير أن دراسة الصندوق تخلص إلى أن عدم كفاءة الاستثمار قد يحد من المكاسب التي تحققها زيادة الاستثمار العام وقد يتسبب في رفع نسب الدين العام إلى إجمالي الناتج المحلي، وفي هذه الحالة، ينبغي إجراء تقييم دقيق للعواقب السلبية على المالية العامة في ضوء المكاسب الاجتماعية الأكبر التي تتحقق من زيادة الاستثمار العام، وبالنسبة للبلدان التي تتسبب فيها اختناقات البنية التحتية في تقييد النمو، من المرجح أن تكون مكاسب إزالة هذه الاختناقات كبيرة. وتعتبر زيادة كفاءة الاستثمار العام عاملا حيويا للاستفادة الكاملة منه. ومن ثم، ففي الاقتصادات ذات الاستثمارات العامة ضعيفة الكفاءة نسبيًّا، ينبغي أن تتضمن أهم الأولويات رفع كفاءة الاستثمار في البنية التحتية بتحسين عملية الاستثمار العام عن طريق تقييم المشروعات واختيارها وتنفيذها بكفاءة أكبر واجراء تحليل دقيق للتكلفة والعائد.