عرض ـ حسام محمود:
سلط الدكتور السيد يسين الضوء على معضلات تواجه الفكر الديمقراطي في العالم العربي , وأدت إلى استشراء ثقافة الرفض للفكر الآخر , بل وإنكار الحوار الخلاق الساعي نحو التغيير الإيجابي نتيجة طغيان ثقافة فرض الأمر الواقع السياسي على الحوار البناء , الرامي لحل الأزمات بإرساء قواعد التحرر , وهو ما نتج عنه من تعنت فكرى . مما أفرز مشكلات في ممارسة حوار الثقافات كنتيجة تفاعلات بين عوامل داخلية تمثلت فى غياب التراث الفكري والليبرالي , وغياب الممارسة الديمقراطية لعقود طويلة من السنين . فطفقت العديد من الأزمات الثقافية والفكرية والأخلاقية وصولا إلى المشكلات الاقتصادية والاجتماعية بسبب سوء إدارة الحوار الفكري بصورة ديمقراطية في غالبية بقاع العالم العربي . فالتعددية الفكرية مطلب لقيام الحضارات في ظل تحور صور الاستعمار في عصر العولمة .
تفاعلات فكرية
إن الديمقراطية في العالم العربي أصبحت تمثل معضلة حقيقية بسبب التفاعلات المعقدة بين عوامل داخلية وضغوط أجنبية خارجية ودعوات عالمية إلى ضرورة تحقيق الحكم الرشيد . وقد دفعت العوامل الداخلية إلى تأزم المسألة الديمقراطية في العالم العربي المتعددة في الواقع . وقد يكون غياب التراث الفكري والليبرالي، وتغييب الممارسة الديمقراطية عقودا طويلة من السنين بعض أهم الأسباب. كما أن وجود حركات سياسية عربية مضادة للديمقراطية شكلت معضلة. وهذه الحركات لا تقتصر على الحركات المتطرفة كانت أو معتدلة ، ولكن برزت حركات سياسية ليبرالية مضادة لبعض نظم الحكم القائمة في فترات وحقب متباينة . إن عشرات الدول الإسلامية في الشرق والغرب صعدت وسقطت عبر التاريخ في غيبة تامة عن جماهير الشعوب التي كانت في الواقع تحكم بالقهر ، اللهم إلا في فترات تاريخية نادرة . وإذا كان العرب بشكل عام نجحوا في ترسيخ هويتهم العربية بعيدا عن الإرث العثماني الثقيل ، إلا أنهم واجهوا فيما بعد الاستعمار الغربي بصوره المتعددة . إنه مما لاشك فيه أن القوى القومية والوطنية العربية في مختلف بقاع العالم العربي وضعت أهداف التحرر القومي والوطني باعتبارها أولوية أولى ، وكان ذلك منطقيا بطبيعة الحال . فلم يكن هناك مجال لممارسات ديمقراطية والأوطان محتلة بالقوى الأجنبية ، أو خاضعة لنظم الوصاية والانتداب . إن الوجود الاستعماري في العالم العربي كان في حد ذاته عقبة تاريخية وقعت في طريق التطور الديمقراطي الذي شهدته بلاد متعددة لم تخضع لنير الاستعمار. ولعل غياب التراث الفكري الديمقراطي يكشف عنه الفقر الشديد في الكتب والدراسات عن الديمقراطية في المكتبة العربية . والشاهد استلهام المثال الديمقراطي الغربي من خلال مجموعة من الكتابات التي قام بها رواد النهضة العرب ، ولعل على رأسهم رفاعة رافع الطهطاوي ، وأحمد لطفي السيد في مصر ، وخير الدين التونسي في تونس ، وعديد من الرحالة العرب الذين زاروا أوروبا , ونقلوا بعض أفكار الديمقراطية .
حوار حضاري
نظمت كثير من المنظمات والجمعيات والهيئات العديد من المؤتمرات والندوات لتوضيح مفهوم حوار الحضارات والتفاعلات بين الشعوب , فهناك مفاهيم تلاشت وأخرى تغيرت عبر التاريخ فيما يتعلق بالتفاعلات الحضارية التي صبت في بوتقة الثقافة وانعكست على الفكر العربي , والتحليل الثقافي في السياق ذاته يركز على مفاهيم الفكر في محاولة لاكتشاف الحضارات , وكيفية تكوينها وتفاعلاتها التي أثمرت عن تكوين أطروحات جديدة لثقافة العولمة , فأجندة حوار الحضارات مليئة بالعديد من المتغيرات في ظل احتدام الصراع بين الشرق والغرب , واصطدام المصالح الدولية مما فجر العديد من الأفكار المتباينة التأثير , ويحتاج العرب إلى مفاهيم جديدة لتسليط الضوء على العولمة ومتغيرات العصر التي تقود نحو نظرية متكافئة عربية لحوار الثقافات , ولعل المبادرات العربية فى هذا الشأن ركزت على أهمية تغليب السلام في المجتمعات الدولية على أساس العدالة والإنصاف. ولا يمكن للسلام العالمي ان يتحقق دون مواجهة سلبيات المعضلات الاقتصادية بشكل حاسم , ذلك أن مفهوم العولمة فى الوقت الراهن يعمل لصالح الشمال المتقدم على حساب الجنوب الفقير , وفى هذا يجب ان يكون هناك حيز تفاوضي لتعديل مواد الاتفاقيات والمعاهدات حتى لا تكون مقصورة على مصالح الدول الكبرى الاقتصادية منها والسياسية والأيديولوجية , بجانب وضع خبرات دولية فى مواجهة المشكلات حتى لا تتفاقم , وتتحول إلى صراعات تاريخية , ووضع مفاهيم محددة للفكر المعتدل فى كافة المجالات , وصياغة أنماط لتعايش أصحاب التيارات السياسية والفكرية المختلفة حتى لا تنجرف الثقافات فى طوفان العولمة , فهناك أهمية كبيرة لإصلاح ثقافات البلاد العربية حتى لا تكون مجرد محاكاة للغرب والتشبه بالمجتمعات الأجنبية. مما يعنى ضياع قواعد المواطنة المعترف بها قانونيا . وفى إطار من مراعاة مكنون الحياة الراغبة فى الاستمرار والتجدد لكن مع الحفاظ على التقاليد الموروثة , والحفاظ على الأصالة مع المعاصرة . ولا شك أن العمل القانوني الرسمي يحتاج إلى إطار من العمل المجتمعي والتطوعي لترسيخ مفاهيم المشاركة الميدانية لدى الشعوب العربية كى لا يكون معالجة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية مقصورا على الحكومات بل يمتد إلى تبديل فكر الأنانية والانزواء إلى المشاركة فى حيز المجتمع لحل المشكلات , وتذليل العراقيل فى كافة الميادين التنموية , فالمسئولية السياسية للحكومات تحتاج لتفعيل قواعد المشاركة الحضارية من جماهير الشعوب من خلال تعميق فكر العمل الشعبي والتكاتف الجماهيري لصياغة أنماط غير تقليدية من العمل يركز على أسس ثقافة إنسانية عصرية .