عام 1939 تم ترشيح زعيم الحزب النازي الألماني أدولف هتلر لجائزة نوبل للسلام، وهكذا دخلت تلك الجائزة في لعبة السياسة والشهرة والمغريات، حتى أنها منحت لواحد من مجرمي الحرب الصهيونية شيمون بيريز، بل إنها ذهبت عام 2005 ومنحت لأستاذ العلوم الاقتصادية روبرت أومان الذي ترك وراءه ضجة عالمية لكونه يدعو إلى الحرب بسبب معتقداته السياسية التي تؤمن بأن الدولة اليهودية يجب أن تحتفظ بالأراضي الفلسطينية المحتلة.
في كل الأحوال لم تحد بعض جوائز نوبل للسلام من الضغوط السياسية ومن تلبية وقائع لاتمت للجائزة بصلة، كتلك التي حصلت عليها مؤخرا الطالبة ملالا يوسفزاي التي انتقدت هيمنة طالبان على منطقتها في باكستان إضافة إلى أنها دافعت عن حق البنات في التعلم. وهما أمران لايستحقان الحصول على جائزة لها خصائص مختلفة ولها مثل هذا الحضور القوي بمعناها.
لا شك أن بعض جوائزها العلمية تستحق الثناء، لكن العديد من الجوائز الأخرى تلعب فيها السياسة والضغوطات وبعض المحسوبيات، ولو أن صانعها ألفريد نوبل مازال حيا لما حصل كل هذا التردي في بعض ما آلت إليه ولأعاد النظر في تفاصيلها.
صحيح أن العرب لم ينالوا الكثير منها رغم أن لهم أيادي بيضاء في مجالات مختلفة من العلوم والفنون والفكر والسياسة، رغم أن نجيب محفوظ قد حظي بما يستحق، وكذلك الحال مع أحمد زويل، إلا أن قائمة العرب طويلة ولا تنتهي، وفي كل عام يتم ترشيح بعضهم لكن الضغوطات السياسية وخصوصا الصهيونية تمنع ذلك. ألا يستحق مثلا إدوارد سعيد إحداها ، أو الشاعر أدونيس مثلا، أو محمود درويش الذي نال الكثير من الجوائز كرائد من رواد الشعر العالمي ومن أجل قضية لا سمو لأي قضية عليها وهي قضية فلسطين، ولماذا لم تمنح المناضلة الجزائرية هذه الجائزة لنضالها ضد الاستعمار ومن أجل الحرية مثلا؟! في وقت منح فيها شيمون بيريز الجائزة، وهو ألد أعداء السلام، وأحد أبرز القتلة في تاريخ الفكر الصهيوني باعتباره كان زعيما من زعماء العصابات الصهيونية التي أدت إلى قيام النكبة عبر منطق التطهير العرقي الذي مارسته عصاباته. وأن تصحيح مسيرة الجائزة يفترض بها إعادة النظر بما منحته لبيريز وللبروفيسور الآخر أومان.
لسنا ضد الفتاة الصغيرة ملالا الباكستانية، وبالطبع نحن نتعاطف وندعم حق الفتيات في كل مكان في التعليم، ولكن منح جائزة نوبل للسلام لها تقزيم لفكرة تلك الجائزة وإيحاء مقصود بأن اللعب على مفهومها قائم بلا هوادة.
هذا العالم مسؤول إذن عن خياراته الصحيحة كي لا يلوث سمعة جائزة مهمة صار لها باع طويل في التقديرات التي ترسمها على مستويات مختلفة. والمسؤولية هذه تحتم غلق الآذان والأبواب عن كل تدخلات ليكون الاختيار ملائما للحقيقة التي تمثلها كلمة السلام بحد ذاتها، وروح صاحب الجائزة نوبل، والمعتقدات التي تعنيها في صميم الحركة الإنسانية ككل.
بنيل الفتاة ملالا الجائزة لم تتم إضافة قوة زائدة على الريادة العالمية سوى أن هنالك من همس أو ضغط على من يقف وراء الجائزة لأجل غايات دعائية أو شخصية والمرجح أنها من النوع الأول، ولطالما كان للأمر خصوصية طالبانية فبالتالي هنالك بعد خصومي تقف وراءه دولة عظمى.
مازال هنالك أمل بأن يعود القيمون على الجائزة للإفلات من لعبة التوازنات ومن مفهوم الشخصنة وصولا إلى تسمية من يستحق في هذا العالم المليء بالرواد في الكثير من الإبداع الإنساني، وليس العرب بغريبين عنها.