من المعلوم بأنه لكل سلوك دافع، فالإنسان لا يفعل شيء إلا بوجود مثير يحرّك دواخلنا للقيام بفعل أو بتصرف ما، بهدف إيجاد نتيجة لذلك السلوك الذي أبديناه أو قمنا به فتلك طبيعة اعتيادية بديهية، فلندرك جيداً بانه لكل مثير استجابة يبديها الفرد في كل موقف أو سلوك أو تصرف.
فالسلوك إذن هو مجموعة أفعال أو تصرفات أو نشاطات يقوم بها الفرد وترتبط ارتباطا وثيقا ببيئته التي يعيش فيها فيصبح السلوك إما ظاهرا أو غير ظاهر فينتج عنه يتأثر الانسان بما حوله من السلوكيات والتصرفات والمواقف المعاشة، وعلاقات الانسان بعضه ببعض، وننوه بأنّ السلوك ليس ثابتاً وإنما ديناميّ متغير بين الفينة والأخرى يحدث في بيئة ما، وثمّة أنواع كثيرة من السلوك تتوقف على مثير محدد بفعل المتغيرات البيئية مثل العوامل الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والدينية وغيرها.
من هنا أردنا القول بانقضاء شهر الصوم وتبعه عيد الفطر المبارك ثم العشر الحرم من ذي الحجة ففريضة الحج فعيد الأضحى المبارك الذي كان بمثابة تتمة موسم الحج المصحوب بتلك الشعائر الدينية والمناسك القويمة التي حثّ عليها الشارع جلّ وعلا فكل ذلك تمثل في سلوكيات تعبديّة حميدة مثيرها رضا الله سبحانه وتعالى وتتبعها استجابات وتأثيرات يشحن بها المرء نفسه ثم ينتقل أثرها في نفوس الآخرين وهل يوجد عمل أو تصرف أو نشاط أيا كان مجاله يقوم به المرء إلا ونحسبه سلوك ينعكس مباشرة على وضع المرء وتصرفاته فينتقل أثره إلى من يقتدي به وما أخطر ذلك في المجتمع فهو سلاح ذو حدين..!!
إنّ ما نرمي إليه تحديداً في النص تلك السلوكيّات التي يبديها ويقوم بها الانسان بدءً من داره وفي مجتمعه والتي ما هي الا ترجمة لحياته وواقعه ومبادئه وأخلاقه، فلا تثمر إلا الشجرة الصالحة النشطة. فما من سلوك يصدر من المرء إلا ويلاقي ردة فعل خصوصا من صغاره في داره فلندرك جليا أنّ إلقاء السلام سلوك ورده كذلك سلوك وأدعية الخلاء ولبس الثوب ودعاء الطعام والحمد في الشبع والمحافظة على الاوقات واستغلال وقت الفراغ والصلوات في أوقاتها والذكر والتسبيح والتهليل كل ذلك سلوك ناهيك عن القيم والاخلاق التي يجب أن يتحلى بها المرء كالحب والعطاء والصدق والتعاون والتسامح والعفو والايثار وغيرها فهي سلوكيّات يجب أن ندرك قيمتها فهي تعمل مباشرة على تأثر الفرد بها، فعلينا التحلي بأحسنها في حياتنا خصوصا حينما نصبح القدوة في أسرنا ومجتمعاتنا.
وليس قولنا بضرورة إدراك السلوكيّات من القيم والمبادئ وغيرها اعتباطا، وإنما ذلك تقويما للإعوجاج من سلوكياتنا، ففاقد السلوك الحسن لا يثمر إلا نباتا خبيثا سيئا بينما مالك السلوك الحسن من الخلق والمبادئ الطيبة فثماره يانعة طيبة تظهر جليّا في بشاشة الآخرين ومدى رضاهم عن تصرفاته وأخلاقه فيمشي بين الناس بخلق يقتدى بها في المجتمعات ولا يخفى على أحد من المتأملين في تاريخ الدعوة والترغيب فيها يجد أنّ الاساليب الحسنة في التعامل كان لها دور رائد وبُطوليّ في نشر الاسلام إلى يومنا هذا فالدين في الأصل المعاملة حين أصبحت سلوكيات الناس وتعاملاتهم تتغير بتدرج واضج نيّر يهدي الآخرين الى الطريق القويم ويصبح عطاء ومنهاجا تقاس به السلوكيات الحسنة ولا يفوتنا كذلك أنّ القران الكريم استخدم مواضع ومناهج وأمثلة متعددة في قضية السلوك ومدى تأثيره على الأخرين منها السرد القصصي وما ضرب من أمثال تصلح في كل زمان ومكان نهجا ينتهج به.
إننا نهدف في هذا النصّ إلى التركيز على سلوكيّات الوالدين في الأسرة خاصة وسلوكيّات الأخرين في المجتمع عامة، فالأبوين الذين يزرعا زرعا حسنا بديهي أن يكون حصادهما خير وسعادة وهناء فكما قال رسول الله عليه السلام: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته. فالوالد حينما يمارس سلوكا ما عليه سوى أن يتذكر جيدا بأن سلوكه سينتقل أثره على أبنائه في داره، فكما ذكرنا بأنّ جميع العبادات سلوك تعبدي يقوم به الفرد ويتأثر به المجتمع، فعليك أن تنقل السلوك الحسن إلى الاجيال المتعاقبة وأن تكون نافعا في المجتمع مفيدا له منمّيا لقيمه ومبادئه لا معيقا وضارا فبقدر مثيراتك الحسنة من السلوكيات يصبح الناتج من الاستجابات مؤثرا في نفوس الآخرين ويرفع من شأن تعاملاتهم ويعزز من أخلاقهم فيبقى رصيدا محمودا يتحلون به في المجتمعات. فعلينا أن نحاسب أنفسنا ونقوّم اعوجاجنا ونعدّل سلوكياتنا وأن نتأدب مع الله تعالى في تنفيذ ما نهانا عنه وفيما أمرنا به، فالأيام تمضي والأعمار تنقضي والآجال لها كتاب معلوم وهذا حال الدنيا تنتهي أيامها وتنحسر وليس ذلك الاّ من عمرك أيها الانسان فسلوك المرء الحسن دليل وهي المرء. وفي ذلك فليتذكر أولوا الالباب .

خلفان بن محمد المبسلي
[email protected]