بِسْمِ اْللهِ اْلرَّحْمَنِ اْلرَّحِيمِ
هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ، وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ، وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ، هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ، فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ ، وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ)

أخي القارئ الكريم في هذ اليوم المبارك ، نواصل تكملة تفسير سورة المرسلات الآيات من 35 ـ 40 لنحيا بها مع كتاب الله تعالى نسأل الله سبحانه أن يجعل القران الكريم ربيع قلوبنا ونور أبصارنا وذهاب همومنا وجلاء احزاننا .

قوله تعالى : {هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ} أي لا يتكلمون {وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} أي إن يوم القيامة له مواطن ومواقيت ، فهذا من المواقيت التي لا يتكلمون فيها ، ولا يؤذن لهم في الاعتذار والتنصل. وعن عكرمة عن ابن عباس قال : سأل ابن الأزرق عن قوله تعالى : {هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ} و {فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً} وقد قال تعالى : {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} فقال له : إن الله عز وجل يقول : {وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} فإن لكل مقدار من هذه الأيام لونا من هذه الألوان. وقيل : لا ينطقون بحجة نافعة ، ومن نطق بما لا ينفع ولا يفيد فكأنه ما نطق. قال الحسن : لا ينطقون بحجة وإن كانوا ينطقون. وقيل : إن هذا وقت جوابهم {اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} وقال أبو عثمان : أسكتتهم رؤية الهيبة وحياء الذنوب. وقال الجنيد : أي عذر لمن أعرض عن منعمه وجحده وكفر أياديه ونعمه ؟ و"يوم" بالرفع قراءة العامة على الابتداء والخبر ؛ أي تقول الملائكة : "هذا يوم لا ينطقون" ويجوز أن يكون قوله : "انطلقوا"من قول الملائكة ، ثم يقول الله لأوليائه : هذا يوم لا ينطق الكفار. ومعنى اليوم الساعة والوقت. وروى يحيى بن سلطان. عن أبي بكر عن عاصم "هذا يوم لا ينطقون" بالنصب ، ورويت عن ابن هرمز وغيره ، فجاز أن يكون مبنيا لإضافته إلى الفعل وموضعه رفع. وهذا مذهب الكوفيين. وجاز أن يكون في موضع نصب على أن تكون الإشارة إلى غير اليوم. وهذا مذهب البصريين ؛ لأنه إنما بني عندهم إذا أضيف إلى مبني ، والفعل ها هنا معرب. وقال الفراء في قوله تعالى : {وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} الفاء نسق أي عطف على "يؤذن" وأجيز ذلك ؛ لأن أواخر الكلام بالنون. ولو قال : فيعتذروا لم يوافق الآيات. وقد قال :
{لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا} بالنصب وكله صواب ؛ ومثله : {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ} بالنصب والرفع.
قوله تعالى : {هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ} أي ويقال لهم هذا اليوم الذي يفصل فيه بين الخلائق ؛ فيتبين المحق من المبطل. {جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ} قال ابن عباس : جمع الذين كذبوا محمدا والذين كذبوا النبيين من قبله. رواه عنه الضحاك. {فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ} أي حيلة في الخلاص من الهلاك {فَكِيدُونِ} أي فاحتالوا لأنفسكم وقاووني ولن تجدوا ذلك. وقيل : أي {فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ} أي قدرتم على حرب {فَكِيدُونِ} أي حاربوني. كذا روى الضحاك عن ابن عباس. قال : يريد كنتم في الدنيا تحاربون محمدا صلى الله عليه وسلم وتحاربونني فاليوم حاربوني. وقيل : أي إنكم كنتم في الدنيا تعملون بالمعاصي وقد عجزتم الآن عنها وعن الدفع عن أنفسكم. وقيل : إنه من قول النبي صلى الله عليه وسلم ، فيكون كقول هود : {فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ}والله أعلم .
يتبع بمشيئة الله
المصدر : القرطبي