تهب وقتها للطفولة وأدبياتها وترى أن الكتابة وسيلة خلاص
-الكتابة مشروع موغل في الذاتية وعلى الكاتب العماني أن لا ينتظر الدعم من أحد
كتب ـ خميس الصلتي:
يرى المتتبع لأعمال الكاتبة العمانية زوينة سالم السليمانية، حضور الواقع وحيثياته بين ثنايا نتاجاتها الأدبية على الرغم من قلة ما تنتجه من توجهات أدبية مقارنة بغيرها ممن في الساحة الثقافية العمانية، فهي كاتبة نوعية تقدم أعمالا أدبية تواكب الوعي بتجلياته وأسسه. للكاتبة زوينة مجموعة من الإصدرات في المجالات التعليمية والأدبية، ولو ذهبنا إلى الأدبية فهي لديها رواية "إرم ذات حب" ومجموعة قصصية بعنوان "أنوثة حذاء" بالإضافة إلى "جنية الليل وضوء" وأحلام سمكة الزينة التي تتمثل في نصوص أدبية وللكاتبة حضور وافر في مجال أدب الطفل بما في ذلك قصص متعددة بالإضافة إلى كتب أخرى في مجال تعليم الأطفال وغيرها من الأعمال، في المقابل يلحظ القارئ العماني غياب الكاتبة زوينة سالم عن الإعلام بشكل كبير ولكن لديها رؤية خاصة في هذا الجانب حسب حديثها.

عادة العزلة
فيما يتعلق بالتوقف عن التواصل المباشر مع الاعلام بحيثياته المختلفة تقول الكاتبة العمانية زوينة سالم: لم أعد أتذكر جيدا سبب غيابي، ولكن ربما هي عادة العزلة وقلة الأصدقاء جعلتني أبدو غائبة، مما لاحظته في أن الضوء الإعلامي في عمان يعتمد كثيرا على العلاقات والزمالات والشلليات، وعليه فالكاتب الذي لا ينتمي لأي شلة وليس لديه أصدقاء في الإعلام لن يلتفت إليه أحد، بل سيواجه تجاهل كبير، وهذا أمر يحدث مع آخرين أيضا، ولكن أؤمن أيضا أن العمل القوي هو الفرس الرابح في سباق الحضور وعندما يحدث يصبح من الصعب تجاهل الكاتب. ولكن هناك جانب آخر للغياب ربما هو يضاهي قوة الحضور، فبالنسبة لي للغياب مفهوم آخر مختلف قليلا عن مجرد البقاء بعيد عن الأضواء التي يقرر الآخرون تسليطها عليك، وهو ربما موقف وجودي، أعلن من خلاله أن الغياب عن أضواء الآخرين يعلمنا كيف نكون نحن الضوء وكلماتنا قناديل حضور وهذا هو الحضور الحقيقي للكاتب الذي يجد في عزلته نصوصه.

الانعتاق من الزمان
للكاتبة زوينة سالم وقائع مع السرد القصصي، تتمثل في "ارم ذات حب"، و "أنوثة حذاء"، وغيرها، هنا تقرّبنا الكاتبة من هذا الواقع الادبي وعلاقتها به، حيث تشير: الكتابة نوع من الانعتاق من الزمان والمكان فعندما تأسرك اللغة في أعماقها الخلابة تصير الكتابة فن لتأجيل موتنا اليومي أقتبس من كلماتي هذه العبارات لأعبر من خلالها بوابة الكتابة الأدبية، حيث إنني أنتمى لتلك الأرواح التي تشقيها الكلمات التي لم تكتبها بعد، فأكتب وأكتب لأن الكتابة هي الشيء الوحيد الذي يمكن أن ينجو بي، أكتب لأترك أثرا، وأقول للورق ما لن أقوله لأحد. النصوص التي تحمل اسمي تعوض عن غيابي الحقيقي، تجعلني رغم كل شيء حاضرة، وهي بشكل كبير تشبه الهوية السرية التي لا يعرفها أحد إلا القراء الحقيقيين، وتضيف الكاتبة زوينة: بدأت بكتاب إرم ذات حب، كمحاولة لخوض مغامرة الرواية التي تحمل في طياتها الخواطر، وبأسلوب لا يخلو من كم هائل من الشاعرية، كانت تجربة أدبية مثيرة بالنسبة لي بسبب الطبيعة الشاعرية والفكرية للرواية، ومرحلة لا يمكن تكرارها من جديد من جدارتها وإخفاقاتها، تبعتها بمجموعة "انوثة حذاء" الكتاب الذي أعتبره بدايتي الحقيقية، كون النصوص التي جاءت تواريخ ميلادها أقدم من تاريخ اكتمال كتاب إرم ذات حب، رغم أن النشر لم يعكس هذه الحقيقة.

الطفل وأديباته
وفيما يتعلق بعالم الطفل وأدبياته مرورا بالجانب التعليمي والأكاديمي، تعرّفنا الكاتبة العمانية زوينة سالم على هذا العالم وحضورها فيه وهنا تؤكد: اهتمامي بالطفولة بشكل خاص وعام هو الذي أخذ معظم وقتي في الحياة، ولي في هذا المجال عدة إصدارات تعليمية منها منهج لتعليم اللغة العربية للأطفال، بعنوان "لغتي حياتي"، وضعت فيه خلاصة خبرتي، وشغفي باللغة العربية لأجل تعليم الأطفال هذه اللغة بالطريقة التي تعتمد أيضا على كشف جمالياتها، وقيمة التحدث بها، وصدر لي أيضا إصدارات توعوية تتضمن أنشطة تربوية للأطفال تعلمهم سبل المحافظة على سلامتهم المرورية، كما أن لي إصدار يعد الأول من نوعه وهو إصدار توعوي يعتني بتثقيف الأهل والأطفال حول المهارات اللازمة لتجنيب الصغار التعرض للتحرش الجنسي.

الجمال والشاعرية
للكاتبة زوينة رؤية في واقع ادب الطفل في عُمان ولأجله تخبرنا بهذا الواقع، وهنا توضح: هناك الكثير من الاجتهادات الشخصية لأجل تحسين الواقع، ولكن بشكل عام ينقصنا الأدب بشكل ما أدب الطفل الذي يراعى فيها أسس الكتابة الأدبية الجميلة ومنها الجمال والشاعرية وعمق الفكرة، معظم الكتابات تركز على تعليم دروس جافة بأسلوب جاف أيضا خال من المنكهات الأدبية، وهذا بدوره يحد من قدرة الأطفال على تذوق الأدب وتقدير قيمة النصوص الأدبية، لأن النصوص التي يتعامل معها تفتقد إلى الجمال. وحول واقعه ومسائله التربوية تشير: اهتمامي في هذا الجانب أختصره بإيقاد الشموع لأجل المستقبل وعدم الغرق في التذمر من معطيات الواقع.

عدسة الحياة
للكاتبة زوينة سالم تخصص أكاديمي في إطار الفلسفة، وله أثر ايجابي في حياتها على مختلف توجهاتها، ولهذا تفسر الكاتبة أن الفلسفة هي العدسة التي تشاهد الحياة من خلالها، وتضيف: دراستي لهذا المجال جعلني دائما مستعدة للهدم والبناء، أقصد هدم أي أفكار بالية ومعتقدات خاطئة وبناء نسق فكرية جديدة، بينما يخشى البعض فحص ما يعتقد صواب أجدني دائما أحاول فحص ما أفكر فيه، وأتحاور مع نفسي وكأنني أحاور شخص آخر حول كل الأمور التي تبدو غير مهمة، وهذا ساهم بشكل إيجابي في حياتي بشكل عام فأنا إنسانة مرنة يمكنها التكيف مع متغيرات الحياة، كما يمكنني تقبل الاختلاف عن الآخر بصدر رحب، لأنني أعتبر نفسي ذلك الآخر، فأنا اليوم ليس نفس الشخص الذي كنته بالأمس.
أما في مجال الأدب هذا ربما ساهم في خلق الراوي المحايد القادر على نقل كل الأصوات بدون التورط الكامل فيه، والقدرة على انتقاء زاوية الرؤية التي أكتب من خلالها القصة والشخصيات المناسبة.

مشهد الشللية
للكاتبة العمانية زوينة سالم قراءة خاصة للمشهد الثقافي في عُمان والسردي على وجه الخصوص وفي هذا الشأن تقول الكاتية: المشهد الثقافي في عمان يغلب عليه الشللية، يحتاج إلى المزيد من الاجتهاد لإيجاد مشهد عماني يستطيع أن يعكس الأغلبية وليس النخب فقط، ولكن أعتقد عن على الكاتب العماني أن يعتني بنفسه ولا يلتفت إلى مشكلة المشهد العماني، كون الكتابة الأدبية مشروع موغل في الذاتية، وينبغي أن يتحمله همه الكاتب نفسه ولا ينتظر الدعم من أحد.
وأخيرا تطلعنا الكاتبة على ما سنقرأه لها في أقرب فرصة سانحة وتوضح: سيصدر لي في المعرض القادم الطبعة الثانية من رواية إرم ذات حب، وسوف تكون نسخة منقحة، كما أن لدي بعض الكتب لا تزال قيد المراجعة.