يأتي المؤتمر الخليجي التاسع لتطوير إنتاجية الكوادر البشرية الذي اختتم أعماله تحت شعار "الابتكار المؤسسي وتوظيف التكنولوجيا لتعزيز الإنتاجية" تعبيرًا عن الحاجة الملحة إلى بلورة سياسات وقواعد عمل وأنظمة قادرة على التعامل مع التحديات التي تواجه الكثير من حكومات دول العالم، ومن بينها الحكومات العربية والخليجية، حيث تمثل تحديات سوق العمل بوجه عام وخصوصًا في القطاع الخاص قاسمًا مشتركًا بين جميع دول مجلس التعاون الخليجي تحديدًا.
ولا ريب أن هذه التحديات يعلو سقفها مع مرور الزمن ودون وجود رؤى وخطط وسياسات ملائمة من شأنها أن تحيل هذه التحديات إلى فرص، فالاختلالات التي تعاني منها أسواق العمل الخليجية لا يمكن إخفاؤها ولا يمكن أيضًا تجاوزها، حيث تبرز خطط تنمية الموارد البشرية وسياسات الاستيعاب والتوظيف في القطاعين الحكومي والخاص ضعف هذه الخطط والسياسات والبون الشاسع بين متطلبات سوق العمل، ومتطلبات التنمية البشرية والمناهج التعليمية التي ينبغي أن تتواكب مع هذه المتطلبات، والتي من شأنها الإسهام في حلحلة تحديات ارتفاع نسب الباحثين عن عمل.
صحيح أن العامل الديموغرافي له دور في رفع نسب الباحثين عن عمل، وزيادة حجم التحديات، إلا أن ذلك لا ينفي الفجوة التي حصلت خلال العقود الماضية التي كان من المفترض فيها أن تفعل السياسات والرؤى الموضوعة من قبل دول خليجية ومنها السلطنة، والخاصة بعملية التوظيف والتشغيل في القطاع الخاص، وعدم الاعتماد الكلي على القوى العاملة الوافدة، أو وجوب وضع خطط وسياسات تعنى بالتوظيف والتشغيل من قبل دول تغافلت عن هذا الأمر.
اليوم يحتم الوضع المسارعة إلى وضع سياسات قصيرة المدى وسياسات طويلة المدى لمواجهة التحديات والاختلالات أفقيًّا ورأسيًّا، والالتزام التام برفع المستوى التأهيلي والتدريبي للموارد البشرية وتطوير إنتاجها. وكذلك الحال بالنسبة للكوادر البشرية داخل المؤسسات الخدمية والإنتاجية، حيث تقتضي أهمية ذلك مواكبة التطور العصري وإفرازاته الحديثة لا سيما التقنيات التي لا يمكن الاستغناء عنها لما تقدمه من ميزات سريعة وسهلة ويسيرة، أغنت الجانب الإنتاجي المنشود.
لذلك يهدف المؤتمر ـ وحسب القائمين عليه ـ إلى تعزيز إنتاجية الكوادر البشرية والنهوض بمستواها من خلال طرح التجارب العالمية والإقليمية والخليجية، إضافة إلى تسليط الضوء على تحديات سوق العمل في مؤسسات القطاع الخاص وتحويلها إلى فرص يمكن الاستفادة منها.
ويكتسب المؤتمر أهميته من حيث إنه يمثل ملتقى للأفكار والرؤى والتجارب من القطاعين الحكومي والخاص، ويسعى إلى تقديم سلة حلول للتحديات والاختلالات التي تعاني منها أسواق العمل الخليجية، وذلك من خلال الأوراق التي تضمنها المؤتمر والتي من بينها ورقة "الابتكار المؤسسي في حقبة الجيل الصناعي الرابع وعلاقته بالإنتاجية" وورقة "مثلث الإبداع لتعزيز الإنتاجية" وورقة "أدوات قياس الأداء والإنتاجية وتطبيقات الذكاء العاطفي للمؤسسات" إضافة إلى إقامة حلقتي عمل حول التحول الرقمي في عالم الأعمال ورفع الإنتاجية.
إن نظرة عاجلة ومتبصرة تبحر في تفاصيل قطاع العمل لهي من الأهمية بمكان في ظل عالم لا يعترف إلا بالأقوياء اقتصاديًّا وعلميًّا وابتكاريًّا وإبداعيًّا، وفي ظل تحديات تتفاقم وتتداخل مع مرور الوقت، فإزالة التشوهات التي يعاني منها سوق العمل، وفتح آفاق رحبة من خلال تبني سياسات وخطط وأهداف واضحة ولا مساومة ولا محاباة فيها كفيلة بتدارك الأمر، وتطوير الإنتاجية.