تمثل البنية الأساسية أهمية قصوى وضرورة لا بد منها في عملية التنمية الشاملة والمستدامة، ولذلك لا تزال وستظل مشاريعها تحظى باهتمام حكومي بالغ من حيث الكم والنوع، وذلك استلهامًا من الفكر المستنير لقائد مسيرة النهضة المباركة ومؤسس الدولة العمانية العصرية حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ الذي أراد أن تنطلق نهضتها المباركة على ركائز صلبة لتتمكن من مواكبة كافة التطورات.
وليس مبالغة القول إن جغرافيا السلطنة من حيث صعوبة تضاريسها وسهولتها تلعب دورًا كبيرًا في عملية التنمية وتعكس في الوقت ذاته مدى الجهود المبذولة من قبل الحكومة من أجل إقامة البنى الأساسية، وقوة التصميم والإرادة على مجابهة التحديات لمد شرايين التنمية في ربوع البلاد التي تتحدث تضاريسها الصعبة بكل وضوح ودون حاجة إلى التدليل على حقيقة هذه الجهود.
وما من شك أن السلطنة تعد واحدة من بين الدول التي تتميز بجغرافيا مترامية الأطراف وذات طبيعة تضاريسية متنوعة وفي أغلبها الأعم توصف بأنها تضاريس صعبة، وهذه الميزات وترامي الأطراف والتوجه نحو ربط هذه الأطراف وتراب الوطن ببعضه بعضًا يستلزم شبكة من المواصلات ذات الكفاءة العالية لتحقيق ذلك ودعم إمكانات التواصل بين مختلف محافظات السلطنة وولاياتها في زمن تحسب فيه المسافات بالساعات وليس بالكيلومترات، فالزمن أصبح هو العنصر الحاسم في حركة الحياة على هذه الأرض الممتدة، وكلما تداخلت شؤون الحياة وتعددت مواقع الإنتاج والاستثمار وأيضًا النشاط السياحي الواعد الذي تلعب فيه وسائل المواصلات دورًا مهمًّا من حيث الكفاءة والسلامة ومعدلات الرفاهية.
لذلك تأتي جلسات فعاليات مؤتمر "النقل العام عُمان 2014" الذي انطلقت فعالياته أمس مكملةً لروح التحدي ومرامي الاهتمام بالبنية التحتية لقطاع النقل في السلطنة، وملامسةً لواقع النقل وحقيقته الذي بدأ يشهد حركة واسعة واكتظاظًا وازدحامًا لافتين مع الزيادة السكانية والعمرانية وزيادة عدد المركبات المسجلة، سواء تلك الجديدة أو المستعملة، وكذلك مع زيادة أعداد حاملي رخص القيادة أو من غير الحاملين من المواطنين والوافدين والزوار، فهذه الأعداد الهائلة اعتمادها على شبكات الطرق ووسائل النقل، الأمر الذي يعني زيادة ملحوظة في ازدحام الطرق بالمركبات والمارة، ما يؤدي بدوره إلى هدر في الوقت الذي بدوره يؤدي إلى آثار على عملية الإنتاج بشكل أو آخر، فضلًا عن الإخلال بالمظهر الحضاري والوجه الحقيقي لواقع المدن الكبرى كما هو حال محافظة مسقط، مما يفوت على السائح والزائر الكثير من الوقت الذي يفترض أن يقضيه بين ربوع المحافظة أو المدن المزارة، ويفوت عليه فرصة الاطلاع على ما تكتنزه من مقومات سياحية وتراثية، إلى جانب ما يثيره الازدحام من ضوضاء وانبعاثات وملوثات تؤثر على سلامة البيئة والصحة العامة.
ولذلك فإن من الأهمية بمكان النظر إلى البدائل والمقترحات التي يسعى المؤتمر إلى التأكيد عليها والاستفادة من تجارب الدول الأخرى لا سيما الدول المتقدمة في الحد من ازدحام الطرق وتيسير حركة تنقل الناس لقضاء مصالحهم، حيث إن التوجه لإنشاء شبكة نقل عام في السلطنة تتميز برفاهية عالية أن يسهم في النمو الاقتصادي والاستقرار البيئي وفق أعلى معايير السلامة والجودة لإظهار الوجه الحضاري لبلادنا فيما يتعلق بالنقل العام، وأن يحقق الأهداف المتوخاة من حيث تقليل الازدحام وتقليل النفقات التي عادة ما تلازم صاحب المصلحة أو الموظف أو العامل المستخدم لسيارته من وقود وأعطال واستهلاك يومي لسيارته، وكذلك الحد من نسب الحوادث. وإذا كانت هناك من خصوصية ما لبعض الحالات فينبغي أن تحصر في إطارها فقط.
وما دام الهم متجهًا نحو الحد من الازدحامات والحوادث وتوفير الوقت للناس، فإن من الواجب أن ننوه إلى صانع القرار في هذا الصدد بأن قرار نقل عمليات الشحن والتفريغ من ميناء السلطان قابوس إلى ميناء صحار الصناعي، قبل أن تكتمل شبكة الطرق في محافظتي الباطنة، كالطريق الساحلي والطريق السريع، كان قرارًا متعجلًا بالنظر إلى حجم الازدحام الذي بات مشهدًا يوميًّا بعد أن كان مقتصرًا على بداية الأسبوع ونهايته، ولهذا لا بد من الأخذ بعين الاعتبار هذا الأمر حفاظًا على الصالح العام بالنظر إلى الوقت المهدور وما ينتج من حوادث. إلا أن هذا لا يقلل حجم الجهود المبذولة والتي تحظى بالامتنان والتقدير من قبل المواطن رغم الصعوبات والتحديات الجمة التي تواجه قطاع النقل بشكل عام.