لا أحد يعلم إلى متى يظل بعض المسؤولين بالدولة يبنون لنفسهم أبراجا عاجية يضعون أنفسهم بها وهم لا يطيقونها أصلا ولا يرغبون بها لكن احدا ما قال لهم إن هذا( برستيج) ويجب أن تكونوا هكذا ، فاعتلاهم وهم ( البرستيج) فابتعدوا عن الناس ببرجهم العاجي فلا يخالطونهم ولا يستمعون إليهم ولا يشعرون بحاجتهم ولا حتى مطالبهم أو أمور تتعلق بوزاراتهم فظلوا بعيدين وبقيت الحقائق عنهم بعيدة فكيف يصبح هذا المسؤول قادرا على صنع القرار او اتخاذ اجراء معين وهو بعيد عن الواقع ؟.
لا يزال بعض المسؤولين عندنا وفور تسلمهم لمنصب وزير أو وكيل أو منصب معين يتغيرون بدرجة كلية حتى أن من كانوا يتعاملون معهم وهم اشخاص عاديون يستغربون مدى التغير، فبينما كانوا يكافحون ويعملون بجد ونشاط ويخالطون الناس وصغار الموظفين ويستقبلون المراجعين ويجلسون مع المواطنين بالمجالس والمناسبات ويأخذون منهم ويعطون ويتبادلون الأفكار ويستشفون الحقائق ويدلون بالأفكار ويستنتجون ويتأملون ويعدون أنفسهم بأنهم اذا اصبحوا مسؤولين بيوم ما فإنهم سوف يقومون بكذا ويغيرون للأفضل ذاك ويضعون هذا ويحلون تلك المشكلة، إلى أن جاء نصيبهم وما كانوا يصبون إليه حتى ينقلبوا الى اشخاص آخرين ناسين او متناسين كل مشاريعهم وطموحاتهم الايجابية قبل فترة بسيطة.
التغير يبدأ من تعاملهم مع الأصدقاء ومن ثم العائلة والأهل ومن ثم تزيد رقعة التغير الى ان تصل الى الجيران او المحيط الأسري ليس بالضرورة هذا الترتيب لكن في النهاية يتغيرون شيئا فشيئا، وهكذا الى أن يصل بهم الأمر الى تغير تام كلما طالت مدتهم في المنصب حتى يصلوا الى تغير على المجتمع بشكل عام ، فيصبح المجتمع بالنسبة لهم لا يشكر لا يفهم لا يعي معنى السياسات لا يعرف معنى المشاريع والاستراتيجيات وأهم شيء (البرستيج ) وهي أم المصائب.
يغير رقم هاتفه النقال لكي لا يتصل من هم يعرفونه سابقا، وفي اعتقاده انه دخل عالما آخر يجب أن يكون فيه بعيدا عن من يعرفهم أيام زمان، فاليوم هو مسؤول ومن يعرفون رقمه فقط المسؤولون وأسرته المقربون وسكرتير مكتبه ومن هم مقربون بالوزارة فقط أما غير ذلك فهم مجرد مزعجين لا أكثر.
كل هذه الأمور ومن وجهة نظر متابعين هي أمور لا تزال تؤثر على شريحة كبيرة من المسؤولين عندنا الأمر الذي يجعل من هذا المسؤول يتحول من شخص ملم بأمور محيطه وما تحتاجه وزارته إلى شخص يستمع إلى ما ينقله له المدراء او المسؤولون أقل درجة منه فهل سيكون على دراية تامة بكافة ما يخص عمله وهل سينقل له كل ما من شأنه الرقي بوزارته أو الجهة المسؤول عنها ؟ .
من أهم واجبات المسؤول بأي جهة كانت، معالجة الاخفاقات وحل المشكلات واتخاذ القرارات المناسبة التي من شأنها النهوض بتلك المؤسسة واختصاصاتها، وكل هذه الأمور لا يستنتجها المسؤول ولن يعلم عنها إلا من خلال اختلاطه بمحيطه وجلوسه مع المواطنين وفتح جميع القنوات للتواصل معهم ،هذا إن أراد أن يحقق انجازا يشكر عليه حتى وإن ذهب عن الوزارة لأن أي إنجاز يحققه سيذكره المواطن ويقدرونه له ، لا ان يبعد نفسه عن محيطه وأهله ومجتمعه ومن يعرفهم سابقا ويقعد في برج عاجي تنقل له ملفات المشاريع في أظرف مغلقة ويوقع هو عليها فقط.
هنا لا نقصد الجميع ولكنها ظاهرة تتكرر ونتمنى ان لا تزيد ، فالمواطن لا يريد من المسؤول إلا ان يعطيه حقه فقط ويسهل له خدماته عبر القنوات الصحيحة وعبر الجهة الحكومية التي أساسا وجدت لخدمة المواطن ولولا المواطن لما كانت وزارة ولا أصبح الوزير وزيرا ولا الوكيل وكيلا ، فالبرستيج ليس الجلوس في برج عاجي، بعيدا عن المواطن، بل هو تضحية وتسجيل إنجازات يذكر بها المسؤول في المستقبل.

سهيل بن ناصر النهدي
[email protected]