[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]
تختلف أولويات الأمان الاقتصادي من بلد إلى آخر تبعًا لخصوصية التنمية فيها وما تحتمه متطلبات التطور والمعالجة, لكني أعتقد أن جميع بلدان العالم تلتقي عند أولوية لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهلها إلا إذا كان هناك ما يملي على البلد, أي بلد هذا التجاهل.
تتعلق هذه الأولوية الضرورية بموضوع الفساد وكيفية مواجهته والآليات المشتركة على الصعيدين الإقليمي والدولي في تنفيذ ذلك إذا أخذنا بعين الوقائع كم هي الخسائر التي لحقت بالعالم من جراء هذا الخطر, فعلى سبيل المثال لا التعيين أن خسائر إيطاليا وحدها للعام الماضي جراء الفساد بلغت (60) مليار دولار, وهكذا أيضا, يتأكد من تشخيصات واسعة صدرت في الأيام القليلة الماضية من العام الجديد 2014, أن الفساد ما زال واحدًا من أخطر التحديات التي لديها القدرة في (خدش) فرص التنمية بأكثر من مخلب واحد على صعيد تعطيل إن لم يكن إيقاف مجريات النمو الصحيح, ويتخذ هذا التحدي بالنسبة لأغلب البلدان العربية ملامح أشد وطأة حيث تعاني الفساد بأشكال متعددة تفوق ما ذهب إليه تعريف قاموس أكسفورد بشأنه، ولذا من الحصافة أن تسعى لامتلاك أدوات قادرة على مواجهته ولا نقول استئصاله كليًّا؛ لأن ذلك من المستحيل خاصةً مع كثرة الشياطين الذين (استبسلوا) في سرقة وظيفة (إبليس) وتمنطقوا بها, وتطبيقًا على ذلك, لنا أن نستعيد هنا ما قاله رئيس مجلس إدارة المنظمة العربية لمكافحة الفساد بهيج طبارة (إن الفساد لا ينتظر أحدا).
إن توصيف العمل المطلوب لنا في خوض معركة حقيقية لمواجهة الفساد في إطار الزمن المرسوم خلال عام 2014.. وما دام الحديث عن الأولويات، علينا أن نستعين ولو بالحد الأدنى من برنامج هذه المنظمة القومية للسنة الحالية في إطار محاور تأثير الفساد على القضاء وحكم القانون, وكذلك الفساد في القطاعين الاقتصادي والمالي, والفساد الإداري في نسختيه الداخلية والخارجية, ودور النخب المثقفة في مكافحة الفساد, وقيادة وتوجيه المجتمع من أجل ذلك.
وبالاتساق مع ما أشرنا يصبح من الأخلاق أن يتم الاعتراف بأن الفساد في بعض الدول العربية برؤوس سياسية, أي بما يتماهى مع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد ضمن المادة 18 تحت بند المتاجرة بالنفوذ, من خلال (قيام موظف عمومي أو أي شخص آخر بشكل مباشر أو غير مباشر, بالتماس أو قبول أي ميزة غير مستحقة لصالحه هو أو لصالح شخص آخر لكي يستغل ذلك الموظف العمومي).
إن النسخة الأكثر انفضاحا في ذلك, ما نعيشه عراقيًّا إذا أخذنا بالتحقيقات التي أجرتها هيئة النزاهة العراقية لملفات في هذا الشأن تجاوز عددها الـ(3000) ملف فقد تبين أنها بأصابع سياسية مرئية وسرية, وإذا أضفنا إلى ذلك عدد الموظفين العامين الذين هربوا إلى خارج العراق أو تخندقوا بمتاريس تنظيمات طائفية واثنية يتبين لنا صحة ما أعلنته هذه الهيئة التي لم تجد ما تداري فيه (وجعها) إلا باقتراح استحداث أكاديمية (جامعة) لتدريس أصول الحفاظ على نظافة اليد!!
إن المتاجرة بالنفوذ واحد من أخطر مظلات تمرير الفساد والتستر عليه وإدامة وحشيته، ومن هنا يأتي دور الإعلام النزيه في فضح ومحاصرة هذا (الوحش) الذي يعتمد تسويق نفسه بهذه الطريقة, الأمر الذي يجعل من الاستعانة بالمادة 10 من تلك الاتفاقية ضرورة لا بديل عنها وإلا تظل البلدان المبتلية بالفساد تراوح في إجراءات موسمية ليس إلا .. لقد تضمنت هذه المادة نصا يدعو إلى (إبلاغ الناس) بالصكوك الأخلاقية والقضائية التي تتطلب التحصن ضد الفساد.
إننا في الوطن العربي بحاجة ماسة في الوقت الحالي لأن (نشمر) عن عقولنا وأدواتنا في محاربة داء الفساد ضمن منهج تربوي وقائي وعقابي يقوم على أولوية الحيلولة دون حصوله ومعالجة وقوعه قبل استفحاله, لكن ذلك لا يلغي حقيقة أن المهمة صعبة جدا! وفي كل الأحوال تبقى مهمة غاية في القدسية لأنها تهدف إلى زيادة عدد (أثرياء) الشرف.