[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/nawafabohyga.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]نواف أبو الهيجاء[/author]
في مارس (آذار) 1983 كنت في لندن في إحدى الحدائق مع القاص السوري زكريا تامر ووددنا التقاط صورة تذكارية. فطلبنا من رجل عجوز ـ يرتدي معطفا عسكريا قديما ـ أن يلتقط لنا الصورة. وبعد ذلك جلسنا معا. العجوز سأل من أين أنا؟ فقلت له: أنا فلسطيني. سأل "من أين بفلسطين؟" أجبت "قضاء حيفا ـ عين حوض" فسرح لحظة قبل أن يقول "جميلة جدا". ثم أردف "أنا عشت بفلسطين مع جيش الانتداب إلى عام 1941". تطلع إلى السماء وقال "أتعرف أن جيلا بريطانيا سيدفع يوما ثمن جريمتنا بحقكم؟"
تذكرت هذا وأنا أشهد أن غالبية 274 عضوا من أعضاء مجلس العموم البريطاني قد صوتوا لصالح اقتراح يقضي باعتراف بريطانيا بدولة فلسطينية إلى جانب الكيان الصهيوني مقابل اثني عشر صوتا معارضا فقط.
معنى ذلك أن الغالبية الساحقة من البريطانيين يشاطرون العجوز العسكري رأيه بأن بريطانيا ارتكبت جريمة بشعة بحق شعب فلسطين. أجل. فبلفور بريطاني ووعده بريطاني ـ كما أن سايكس بريطاني وهو شريك في اتفاقية (سايكس ـ بيكو) مع فرنسا. وبريطانيا كانت الدولة المنتدبة على فلسطين وأسهمت عمليا في تسليح عصابات الهاغاناه والأرغون والشتيرن الصهيونية وغيرها مما مهد لاقتراف المذابح بحق أهلنا في فلسطين وإلى قيام الكيان الصهيوني في عام 1948 إلى جانب أنها شجعت على إصدار قرار التقسيم رقم 181 لعام 1947 الذي شرعن اغتصاب فلسطين وقيام الكيان الاستيطاني العنصري في قلب فلسطين. بريطانيا كانت المجرم الأول بحق شعبنا وقضيتنا. وهي المشاركة أيضا في العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956 مع فرنسا والكيان الصهيوني.
اللوبي الصهيوني في بريطانيا كان قويا وقد ضم رؤساء وزارات منهم مارجريت ثاتشر. ولكن بعد هذه السنين وفي ضوء نتائج التصويت في مجلس العموم قبل أيام قليلة فإن المؤكد صار الشعب البريطاني يميل بمعظمه إلى الحق الفلسطيني. صحيح أن التصويت لا يلزم رسميا الحكومة البريطانية على الاعتراف بدولة فلسطين ولكن الصحيح أنه يسجل تحولا لافتا في الرأي العام البريطاني ووعيا حقيقيا بعنصرية وهمجية الاحتلال وبعمق الجريمة التي أسهمت بريطانيا في اقترافها بحق شعب فلسطين. بل الشعور بأن بريطانيا مسؤولة عن الآلام والمآسي التي يعاني منها الفلسطينيون طوال سبعة عقود تقريبا. ومن اللائق والطبيعي ومن متطلبات الإيمان بالديمقراطية فإن الحكومة البريطانية يجب أن تستجيب للقرار أو التصويت الحاصل في مجلس العموم. إن اثني عشر صوتا ـ المعارضة ـ لا تمثل نسبة من الشعب البريطاني في مقابل 274.
ومع هذا فالجريمة البريطانية وقعت والضحية في المعاناة والتهجير والتشرد والآلام المبرحة والنأي عن الوطن وعن الحق في العودة إليه. كما أن شعبنا الفلسطيني لن يغفر ولن ينسى أبدا وبالتأكيد فإن نبوءة أو توقع العجوز البريطاني (العسكري السابق في فلسطين والعراق) لا بد أن تتحقق يوما: أن يدفع جيل بريطاني ثمن الجريمة البشعة والدموية التي اقترفتها بريطانيا بحقنا في فلسطين. قد نتناسى ولكننا لن ننسى ولن نغفر للسياسة البريطانية التي تعترف بكيان عنصري إجرامي معادٍ للإنسانية قائم في قلب فلسطين العربية.
التصويت خطوة في الاتجاه الصحيح ولكنه تصويت منقوص لأنه يعترف بالكيان العنصري الصهيوني ولا يدعو إلى (حق العودة) للاجئين الفلسطينيين بالرغم من أن الأمم المتحدة أصدرت القرار 194 الخاص بحق العودة.