تكرم خلاله أقدم فرقة فنون شعبية مسجلة وأشخاص لهم بصمات واضحة في الفنون الشعبية العمانية وفن الرزفة الحماسية بصفة خاصة
اختيار "الرزفة الحماسية" يتزامن مع تقديم ملفها لقائمة التراث العالمي في عام 2015

ندوة مصاحبة لفعاليات المهرجان تضم ثلاثة محاور في توثيق وحفظ التراث غير المادي وجمع التراث الشفاهي والموروثات الشعبية

إذا استمر المهرجان بالصورة التي نراها خلال السنوات القادمة على مستوى الفنون الأخرى سيحقق فهما أعمق لمتطلبات الفرق والممارسين واحتياجاتهم
حاوره ـ إيهاب مباشر :
تحتضن ولاية صحار النسخة الثالثة لمهرجان فرق الفنون الشعبية، الذي تنظمه وزارة التراث والثقافة، من السابع والعشرين وحتى الثلاثين من أكتوبر الجاري، بتطلعات ورؤى جديدة تساهم في تطوير مفهوم الثقافة الفنية لفرق الفنون الشعبية، بإدماج الجيل الجديد بالفنون الشعبية التقليدية، التي تحمل بصمات وجوهر التاريخ العماني العريق.
وللوقوف على هذه التطلعات وتلك الرؤى التنظيمية الجديدة التي تقدم بها هذه النسخة من المهرجان، كان لـ"أشرعة" لقاء مع السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي، مدير دائرة الفنون الشعبية بوزارة التراث والثقافة فإلى تفاصيل اللقاء ..
* بداية نود التعرف على الأهداف التي دفعت وزارة التراث والثقافة إلى تنظيم مهرجان فرق الفنون الشعبية.
** إقامة مهرجان فرق الفنون الشعبية يأتي ليحقق الدعم المعنوي لفرق الفنون الشعبية العمانية، بحيث يتم تقديمها بصورة تتناسب والفنون التي تقدمها، وبصورة يتم من خلالها التعريف بهذه الفنون، لإيجاد صورة حية وحقيقية لهذه الفنون ترسخ في ذهن المشاهد، وهذا كله يصب في مصلحة استمرارية هذه الفنون الشعبية والحفاظ على الفرق التي تؤدي هذه الفنون.
* هذا فيما يخص فرق الفنون الشعبية، فماذا عمَّ يخص الفنون نفسها ؟
** من خلال هذه الأجواء نستطيع أن نخلق حالات لدراسات وأبحاث ومجالات استماع ودراسة للباحثين والدارسين، والخبراء في هذه الفنون من خلال الندوات التي تصاحب هذه المهرجانات، وهذا كله نتيجته محافظة الفنون على أشكالها ووجودها في المجتمعات، وبالتالي فإن هذه المهرجانات تعتبر فرصة كبيرة ليس فقط للفنان أو الممارس، ولكنها تنعكس على الفن بصورة عامة، فالهدف من مهرجانات الفنون الشعبية وهذا المهرجان الثالث هو إحياء الفنون وتوثيقها والعمل على نشرها، فالمهرجان وثق هذه الفنون وأحياها من خلال المشاركين فيه، ونشرها من خلال المشاهدين والتعريف بها ووصولها عن طريق وسائل الإعلام المختلفة
* وصل مهرجان فرق الفنون الشعبية إلى محطته الثالثة، فالبداية كانت في مسقط عام 2010 في محطته الأولى، ثم انتقل المهرجان إلى مدينة صور عام 2012، ثم هذه المرحلة التي نستعد من خلالها إلى إقامة المهرجان الثالث لفرق الفنون الشعبية في صحار .. ماذا عن البداية، وكيف وصلتم، وما الذي تودون إضافته من خلال محطته الحالية، ومحطاته القادمة ؟
** احتضنت مسقط أولى محطات مهرجان فرق الفنون الشعبية ـ كما ذكرت ـ وكان ذلك عام 2010م، وكان في صورة مسابقة حول فني (الرزحة والعازي) اشتركت الفرق في هذه المسابقة وتم من خلالها تصفية الفرق على مستوى الولايات، ومن ثم ختام المهرجان بإعلان النتائج. وفي محطته الثانية والتي أقيمت في صور، تم التوسع في عدد الفرق المشاركة، وكنا نقدم ملفات لليونسكو في هذا التوقيت، فبدأنا في عملية ربط بين الملفات المقدمة لليونسكو، والفنون التي تقدم من خلال دورة المهرجان؛ حتى نحقق الفائدة على الصعيدين، المحلي والدولي، ولم يخرج المهرجان في محطته الثانية التي أقيمت في صور عام 2012م، عن إطار المسابقة، واستمرت الندوة المصاحبة للفنون المقدمة بالمهرجان. أما في المهرجان الثالث الذي سيقام بصحار في السابع والعشرين من أكتوبر الجاري، والذي وضعنا لمساته الأخيرة، فاختلفت الرؤية التنظيمية، واختلفت طريقة التنفيذ، فمن خلال التجارب السابقة، ارتأت اللجنة الرئيسة للمهرجان أن يتم الجلوس مع الفرق والممارسين من خلال حلقات عمل، يتم من خلالها استعراض أفكار لمهرجان فرق الفنون الشعبية وللمواضيع التي تطرح فيه، جلسنا مع الفرق وطلبنا منهم تقديم تصور ليس فقط حول طريقة المهرجان، ولكن أيضا الشخصيات التي يكرمها المهرجان، وكذلك لجنة تحكيم المهرجان، بحيث يرفع هذا التصور لإدارة المهرجان، وتتم دراستها ودراسة تصورات أخرى حول المهرجان، فارتأت فرق الفنون الشعبية المجتمعة أن يكون المهرجان في صورة مختلفة، ليست على شكل المسابقة، واقترحت الفرق المشاركة بحلقات العمل المقامة وفتها أن يكون فرز هذه الفرق من خلال وضع مستويات عامة لفرق الفنون الشعبية، وأن تكون الرزفة الحماسية كمثال ونموذج، وكان للفرق تطلعات أكثر من المهرجان، من أمور تنظيمية تخص فرق الفنون الشعبية، استفدنا منها من خلال هذه اللقاءات، حقق هذا الاختلاف في رؤى تقديم المهرجان توازنا كبيرا، وكان من نتيجة هذه الحوارات واللقاءات، أن الطرق بين الوزارة والفرق أصبحت أكثر تمهيدا، وزاد التواصل بين وزارة التراث والثقافة وفرق الفنون الشعبية.
* كان من المهم إذن الجلوس مع فرق الفنون الشعبية على طاولة واحدة بحلقات العمل المقامة ؟
** كان الجلوس على طاولة واحدة مطلوبا قبل عقد المهرجان، وكان ركناه الأساسيان الاستماع والتنفيذ، لأن الاستماع الذي لا يعقبه تنفيذ يسبب نوعا من الضيق لدى بعض الفرق، لكن لوجود المهرجان، وخصوصا كانت هذه اللقاءات من أجله، فكانت النتائج مباشرة، وأصبحت الصورة أوضح لدى الجميع، وإذا استمر المهرجان بهذه الصورة خلال السنوات القادمة، على مستوى الفنون الأخرى سيحقق فهما أعمق لمتطلبات الفرق والممارسين واحتياجاتهم.
* وما الذي تبدى لكم جراء هذه الجلسات المتعاقبة ؟
** اكتشفنا أن كثيرا من الأمور التي تريد الفرق التغلب عليها، ليست عمليات تنظيمية تخص وزارة التراث والثقافة، أو دائرة الفنون الشعبية، ولكن في مشاركات هذه الفرق المتعددة في المناشط الأخرى، وآليات التعامل معهم، وهذا أمر لا يخص مباشرة وزارة التراث والثقافة، وهم يعون الدور الذي تقوم به الوزارة، ويطالبون أن يكون هناك تداخل في أعمال الجهات الأخرى التي تطلب هذه الفرق، والتنسيق جار بين الوزارة وجهات عديدة من بينها مهرجان صلالة، بالنسبة لمشاركات هذه الفرق. آليات الاستعداد للمهرجان في دورته الثالثة خلقت هذا التواصل، وأكدت الثقة بين الوزارة وفرق الفنون الشعبية، ووضحت الرؤى أكثر، لأن العمل كان نابعا من هذا المنطلق.
* ما الذي دعاكم كلجنة منظمة للمهرجان أن تغيروا رؤاكم التنظيمية للمهرجان وتخرجوه من إطار المسابقة ؟
* * هناك أكثر من عامل أثر على طريقة تناول مهرجان هذا العام، وهو أنه خرج من إطار المسابقات، وكان هذا كما قلت بناء على الحوار الذي دار بين اللجنة المنظمة للمهرجان والفرق المشاركة، وأكثر هذه العوامل هو الحساسية في التعامل بين من يؤدي هذه الفنون أو الشعراء الذين يشاركون فيها ورؤساء الفرق، وبين لجان التحكيم، حتى لا يقفوا موقف الند مع أساتذتهم، ولابد هنا أن أشير إلى نقطة غاية في الأهمية، وهي أن هذه المواقف غير ما تتصف به من طابع إنساني، فإنها تدلل على الرقي في ثقافة التعامل مع الآخر، وتؤكد على أخلاقيات من يمارسون هذه الفنون، وهي بالطبع لا تشملها قوانين محددة، ولكن يجب أن تشمل كل القطاعات. والمؤسسات الحديثة يطلقون عليها أخلاقيات العمل، وأؤكد على أن من يركز على هذه الأخلاقيات هو إنسان متمكن في عمله، وهذا يعكس هذا الأمر، وهو كلما كانت ثقتك في نفسك كبيرة، فتكون لديك قناعة بأنك تستطيع أن تقدم كل ما هو ذا قيمة ويتسم بالإبداع، ومن يتصف بهذه الصفات لا يلجأ إلى ما يلجأ إليه البعض من طرق ملتوية، أو التسلق للوصول إلى غايات وأهداف ربما كان غيره أحق بها، وهذا يدلل على روح التعاون السائدة بين أعضاء هذه الفرق، لأن النجاح وليد العمل الجمعي ولا ينسب لشخص بعينه، ولكننا نتكاتف ونقف جميعا لنشيد مبنى متكاملا، هذه ثقافة راقية جدا نحن لمسناها من خلال تعامل فرق الفنون الشعبية المشاركة ورؤية أعضائها لما يقدمونه، هذه الثقافة موجودة ومتأصلة لديهم، ولكننا من خلال تعاملنا معهم، هذه الثقافة لفتت انتباهنا إليهم من خلالها، وأنهم يمتلكون هذه المقومات الشخصية، هي مغروسة في نفوسهم ولكنها ظهرت بشكل واضح من خلال تعاملاتهم، وهذا في حد ذاته أمر لابد وأن نفخر به.
* ما دلالات اختيار المدن الثلاث لاحتضان المهرجان ؟
** نوعية الفنون التي تقدمها فرق الفنون الشعبية والتوزيع الجغرافي للفرق، كان عاملا أساسيا في اختيار المنطقة التي تحتضن دورات مهرجان الفنون الشعبية، وتاريخ المنطقة يعتبر من العوامل التي تساهم بشكل أو آخر في اختيار هذه المناطق.
* ما السبب وراء اختيار فن الرزفة الحماسية في دورة هذا المهرجان ؟
** هناك أكثر من سبب لاختيار فن الرزفة الحماسية بدوة المهرجان الثالثة، هذا الاختيار جاء تزامنا مع تقديم ملفها لقائمة التراث العالمي في عام 2015م ، بالإضافة إلى أن الرزفة الحماسية في حد ذاتها من الفنون التي لها علاقة بالانضباط والتعامل والترحيب ولها مدلولات اجتماعية عديدة، ولها انتشار واسع على مستوى الرؤية الحديثة في موسيقى فن الرزفة الحماسية، التي نلاحظ أنه يتم التعامل معه في دول مجلس التعاون الخليجي حاليا. وهي من الفنون التي وجب أن نسلط عليها الضوء لأنها تحمل الكثير من المعاني لأن الشاعر يبدع فيها، وفيها استعراض للشجاعة والكلمة، بالإضافة إلى ما نلاحظه من سرعة البديهة التي يتصف بها الشاعر الذي يلقي أشعاره من خلالها، وهو أمر لاحظته وتعلمته وأنا أتابع الفرز الأول للفرق المشاركة، لاحظت الإبداع في قدرة الشاعر على إبداع الكلمة أثناء وجوده في الميدان، بالإضافة إلى قدرة المرددين لبيت الشعر على حفظ البيت الذي يردد وعلى التفاعل معه، فالشاعر يفكر في البيتين التاليين أثناء ترديد أعضاء فرقته للأبيات التي ألقاها مسبقا، وهذا شيء غير عادي، وقدرته على حفظ الأبيات أثناء أداء الآخرين للرزفة، شيء يستحق الوقفة والتأمل، فهي منظومة إبداعية متكاملة.
* ما هي الفرق التي ستشارك في مهرجان هذا العام ؟
** الفرق التي تأهلت من مجموع الفرق المشاركة في التصفيات والتي فرزتهم لجنة التحكيم، هي ست فرق رزفة، هذه الفرق حصلت على أعلى النتائج وكانت مستوفية للشروط العامة للمهرجان، وكذلك لائحة تنظيم فرق الفنون الشعبية، بالإضافة إلى فرقتين، فرقة من مسندم، والأخرى من الشرقية، ستقدمان فني الرواحي وأبو زلف في حفل الافتتاح، وستقدم لوحة مشتركة للفرق الست المشاركة، وهي تخص فن الرزفة الحماسية. والفرق المشاركة هي: فرقة (المذاريب الحماسية) من ولاية لوى بمحافظة شمال الباطنة، وهي بقيادة الشاعر أحمد الريسي رئيس الفرقة، والشاعر سيف الريسي. تأسست فرقة المذاريب الحماسية عام 2010م، وتشارك منذ إنشائها في العديد من المهرجانات ومنها مهرجان مسقط ومهرجان صلالة. تضم الفرقة (38) عضوا، وجميع أعضائها ملمون بالشعر. تشارك الفرقة في المناسبات والأعياد الوطنية العمانية. ومن الفرق الست المشاركة بالمهرجان أيضا فرقة (أبناء المزاريع الحماسية) بولاية شناص بمحافظة شمال الباطنة، أنشئت الفرقة عام 1999م، بقيادة عبدالله بن مصبح المزروعي، وتضم الفرقة في عضويتها (45) عضوا، تشارك الفرقة بشكل سنوي في مهرجان مسقط ومهرجان صلالة، ولها العديد من الشلات الحماسية. بالإضافة إلى فرقة (نجم سهيل الحماسية) وهي من ولاية البريمي بمحافظة البريمي، يقودها الشاعر فهد بن حمدان الريسي، أنشئت الفرقة عام 2006م، وهذه هي المشاركة الأولى لها في مهرجان الفنون الشعبية. تضم الفرقة (45) عضوا وشاركت بمهرجان صلالة خلال العامين الماضيين. لدينا أيضا فرقة (الطرب الحماسية) من ولاية صحار بمحافظة شمال الباطنة، بقيادة سالم بن حمد بن سالم المقبالي، وتضم الفرقة في عضويتها (40) عضوا، وقد أنشئت الفرقة عام 2008 وشاركت الفرقة في العديد من المهرجانات داخل السلطنة متمثلة في مهرجان مسقط ومهرجان صلالة، أما مشاركات الفرقة الخارجية فتمثلت في دولة الإمارات العربية والمملكة العربية السعودية وقطر. وفرقة (الميدلي الحماسية) من ولاية لوى بمحافظة شمال الباطنة، بقيادة الشاعر عبدالله بن سيف بن سالم المزروعي، أنشئت الفرقة عام 2005، وتضم الفرقة (37) عضوا، شاركت الفرقة في معظم المهرجانات السياحية التي تقام بالسلطنة، منها مهرجان مسقط، ومهرجان صلالة السياحي. والفرقة السادسة المشاركة بالمهرجان هي فرقة (وادي فيض الحماسية) من ولاية لوى بمحافظة شمال الباطنة، بقيادة الشاعر خلفان بن سعيد المقبالي، أنشئت الفرقة عام 1992 وشاركت الفرقة بمهرجانات مسقط وصلالة، بالإضافة إلى مهرجان الجنادرية بالرياض عامي 2012ـ 2013 وتضم الفرقة (36) عضوا.
* وماذا عن الندوات المصاحبة لفعاليات المهرجان ؟
** ستقام ندوة مصاحبة لفعاليات المهرجان في اليوم الثالث للمهرجان وهو التاسع والعشرون من أكتوبر الجاري، وستقام خلال الفترة الصباحية بالكلية التقنية في جامعة صحار، تضم الندوة محاور علمية تتعلق بدور الإعلام في توثيق وحفظ التراث غير المادي، وأهمية جمع التراث الشفاهي وأثره على الدراسات التاريخية، ويتناول المحور الثالث الموروثات الشعبية وأهمية إدراجها في المناهج التعليمية، وذلك لتسليط الضوء على عدد من الجوانب المهمة والمتخصصة في مجال الفنون الشعبية والتراث غير المادي بالسلطنة من خلال أوراق العمل المقدمة بالندوة. وهنا لابد وأن أعود إلى الأهداف التي من أجلها أقيم مهرجان الفنون الشعبية، وهي التوثيق والإحياء والنشر، فنحن دائما ما نركز على الإعلام والتراث الثقافي غير المادي، وكذلك على التعليم والتراث الثقافي غير المادي، وعملية توثيق هذا التراث بحد ذاته، من خلال ثلاث أوراق عمل يقدمها ثلاثة أكاديميين.
* هل سيكرم المهرجان أحدا في هذه الدورة ؟
** سيتم تكريم أقدم فرقة فنون شعبية مسجلة في وزارة التراث والثقافة، وتكريم فرقة الفنون شعبية هو شيء مستحدث، ومن معايير اختيار الفرقة، كونها أقدم فرقة مسجلة في سجلات الوزارة، بالإضافة إلى تكريم مجموعة من الأشخاص ومعيار اختيارهم، هو ما قدموه خلال مسيرتهم للفنون الشعبية العمانية بصفة عامة، أو فن الرزفة الحماسية بصفة خاصة، وتم التشاور مع الممارسين للفنون سواء عملوا مع الفرق أو من خلال أعمال تلفزيونية.