عرض ـ حسام محمود:
كتاب "الإنسان والقيم في التصور الإسلامي" لمؤلفه الدكتور محمود حمدي زقزوق هو يأتي كرؤية حول تميز الإنسان منذ الخلق عن سائر الكائنات بالعقل والتفكير ، حيث يعتبر الإنسان أهم قضايا الكون والخلق أجمعين خاصة في صراعه الدائم في الحياة والمتغيرات المحيطة به , فالإنسان محور الكون كله , وهو سيد المخلوقات فكل شيء فى الوجود سخره المولى سبحانه لخدمته , والديانات كلها جاءت من أجله , والوحي السماوي كله قد اتجه بالخطاب إليه , والقرآن الكريم كله يدور حول الإنسان , وصراع الخير والشر , والصراع بين الإيمان والكفر الذي تشهده النفس الإنسانية ومعطياتها في الحياة .
الإنسان والكون
قضية وجود البشر ونشاطهم في الكون هو محور الوجود وجوهر الحياة , كما أن العالم بدون البشر لن توجد فيه قضية محورية , وسيكون بلا عمار , ولا بناء , ولا تنمية , ولا حتى تعكر صفوه مشكلة من المشكلات أو قضية أيا كانت والتي أساسها الوجود الإنساني , وقد كان تصور الملائكة في بداية الخلق عندما أخبرهم المولى سبحانه وتعالى بأنه يريد خلق الإنسان , أن البشر سيسعون في الأرض فسادا , وسيملؤن الكون صراعات , وسيشعلون الحروب , وسيشيعون سفك للدماء . ولعل الملائكة قد قالوا ذلك على أساس ما أتيح لهم من علم بطبيعة البشر , كما أنهم من ناحية أخرى قد تصوروا أن ما يقومون به من تسبيح , وتمجيد لله تعالى هو غاية الوجود التي ليس بعدها غاية أخرى . فالعالم بدون الإنسان يعد من منطق الملائكة واحة سلام لا يوجد فيها صراعات رخيصة وفساد وسفك للدماء , لكن الملائكة من خلال رأيهم لم يفطنوا إلى أن هذا العالم المثالي الذي يريدونه على الأرض سيكون بلا طعم , ولا لون , ولا روح , بل ولا معنى . من هنا كانت حكمة المولى عز وجل الذي يعلم ما لا يعلمون بخلق كائنا يدرك نفسه , ويدرك ما حوله , يمتلك العقل , والقدرة على تسخير الحيوانات والكائنات , والاستفادة منها , بل وتحويل ما هو غير مفيد لأشياء مفيدة , بما لديه من عقل وتفكير , وقدرة خاصة حتى على حفظ الأشياء والأسماء , وتصنيف الكائنات وترديد مسمياتها . وبذلك يكون للوجود معنى سامي حددته الإرادة الإلهية , وهو العبادة لله وحده لا شريك له .
مفارقات غريبة
هناك كثير من المفارقات في حياة الإنسان , فقد بين الله تعالى أن الإنسان خلق ضعيفا , لدرجة أن الذباب لو سلبه شيئا لا يستطيع ان يسترده منه , لكن البشر أحيانا يتصورون في ظروف معينة أنهم من القوة والجبروت , بحيث يستطيعون إخضاع كل شيء لإرادتهم وسطوتهم , وأحداث التاريخ ووقائع الحياة تبين لنا ان بعض الناس من الملوك والحكام أو من غيرهم كانوا يشعرون بهذا الشعور , ويزهون بقوتهم , ويتصورون أنه ليس هناك من هو أقوى منهم في هذا الوجود مثلما فعل فرعون وقارون . فكيف يمكن التوفيق بين ضعف الإنسان الذي أشار إليه المولى , وسلوك البشر المدل على القوة والجبروت والسطوة . إننا من خلال مقارنة سريعة بين الإنسان , وبين الحيوانات من جانب آخر , يتضح لنا ابتداء مدى ضعف البشر إزاء فصائل الحيوانات المختلفة , التي يتفوق بعضها على الإنسان فى كثير من الأمور التي تجعلها قادرة على الحفاظ على حياتها . وعلى وجودها , فى حين يفتقد الإنسان كل هذه الأمور أو بعضها , الأمر الذي يجعله في وضع أضعف منها كثيرا . فقدرة الإنسان مثلا على الأبصار , وعلى السمع والشم محدودة بالقياس إلى بعض الحيوانات التي تستطيع أن تسمع وترى وتشم إلى مسافات بعيدة . ثم إن طفولة الإنسان طويلة بالقياس مع بعض الحيوانات , التي تستطيع أن تقف على رجليها بعد الولادة بساعات وتعتني بنفسها . إن الإنسان فى طفولته يحتاج لعناية خاصة , ورعاية لمدة طويلة , بالإضافة إلى وجود أسلحة لدى بعض الحيوانات للدفاع عن نفسها ضد أعدائها لا نجدها لدى البشر . وفضلا عن ذلك فإن كثيرا من الحيوانات أو كلها قادرة على تحمل تقلبات الجو من الحر والبرد , ولكن الإنسان إذا ترك عاريا تحت وطأة التقلبات الجوية فإنه يموت . وعلى الرغم من كل هذه المفارقات استطاع البشر إخضاع كل ما فى هذا الوجود لإرادتهم , فنجحوا في استئناس الحيوانات المفترسة , وتمكن الإنسان ان يغير شكل الحياة على الأرض , وأن يصنع الحضارات المتتالية والفائقة التطور والزهو على مدى التاريخ , وأن يحدث ثورات هائلة فى مجالات الزراعة , والصناعة , والاتصالات, والمعلومات والتكنولوجيا . ولم يكتف بأن يكون مجال نشاطه مقتصرا على الكوكب الأرضي بل راح يبحث ويقتحم عالم الفضاء . باختصار يمكن القول ان الإنسان استطاع أن يتغلب على كل الصعاب التي صادفته في هذا الوجود , وقد تيسر له ذلك بفضل شيء واحد امتاز به عن كل المخلوقات وكل الحيوانات , ألا وهو العقل الذي وهبه الله إياه . والجانب العقلي في الإنسان هو من آثار النفخة الإلهية الروحية في الإنسان, والتي من أجلها استحق التكريم من المولى عز وجل , بل والتفضيل عن غيره من الكائنات . لقد كرم الله الإنسان على سائر المخلوقات بالعقل والتفكير , والكرامة المقصودة في هذا عامة لكل البشر رجالا ونساء بصرف النظر عن أجناسهم ومعتقداتهم وألوانهم . والإنسان الذي منحه الله الكرامة لا يجوز له ان يفرط فيها مهما كان المقابل . من جانب آخر لا ينبغى لأحد أن يتعرض بإهانة إنسان آخر كرمه الله لأن ذلك يعد عدوانا فى حق منحه الله للبشر . وقد ركز الإسلام على حرمة الدم , وأهمية الابتعاد عن الخلافات خاصة الرخيصة , والترفع عن الضغائن والأحقاد والفتن لأنها تمس السمعة , والجسد , والمال , والأهل بسوء , وتضع الإنسان فى مرتبة سيئة من البحث عن الشهوات والنيل من الآخرين بالشر . ومن أجل الحفاظ على القيم الإسلامية ينبغي على المؤمنين التحلي بمكارم الأخلاق واستخدام العقل لخدمة البشرية والحضارة , بل وتشغيل التفكير بأعمال العقل لأعمار الكون , فضلا عن الالتزام بالعبادات , وحصد الحسنات لأنها الطريق نحو الجنان والصلاح في الدين والدنيا وحسن الخاتمة يوم القيامة .