في لغتنا العربية ألفاظ كثيرة يضعها بعض الناس في غير مواضعها من صحة الاستخدام اللغوي أو لا يراعون الدقة في وجوه استخدامها ، من ذلك مثلاً لفظة ( البَنْد ) التي يضعها بعض المحدثين موضع الفِقْرَة ، يقولون : جاء في البند العاشر من اللائحة التنفيذية كذا وكذا ، ولا تصلح كلمة ( بَنْد ) للاستعمال في هذا الموضع إنما الأوفق أن يقال فِقْرَة ، والجمع فِقَرات وفِقَر ، تقول العرب : زدت في كلامه أو شعره فِقْرة ، وهي فصل أو بيت شعر . أما البَنْد فكلمة فارسية معرَّبة وتعني : العَلَم الكبير ، قال المتنبي فيها:
عِـشْ عَـزيـزاً أو مُـتْ وأنتَ كَـريـمٌ
بـيـنَ طَـعْـنِ الـقَـنَـا وخَـفْـقِ الـبُـنُـودِ.
وقد طوَّر العرب من معناها بعد تعريبها ، ففي معجم العين للخليل بن أحمد الفراهيدي ( ويقال: فلان كثير البُنُود ، أي كثير الحِيَل ).
ومن الناس من يضع لفظة ( الوَقُود ) موضع الجمع المؤنث فيقول مثلاً : هذه الوَقُود كثيرة ، أو هي وقود قليلة ، والصواب أنها مفرد مذكر أي ينبغي أن يقال : هذا الوَقُود كثير أو قليل ، أما الوُقُود ( بضم الواو ) فهي المصدر ، تقول : وَقَدْتُ النارَ وُقُوداً و وُقْدَاناً . ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الموضع أنّ أصل الوَقُود في اللغة : الحَطَب ، ففي معجم الصحاح للجوهري : ( الوَقُود بالفتح الحطب ، وبالضم التِّقاد ) ، إلا أنّ المعنى الدلالي للفظة تطوَّر ليعني في عصرنا الحاضر ذلك المزيج الذي تتولّد باحتراقه طاقة حرارية.
ومما يضعه بعض الكتاب في غير موضعه كلمة
( عُرْضة ) للشيء فيقولون مثلاً : كان فلان عُرْضةً للخطر ، أي كأنّ الخطر أحاق به وهدده ، وليس ذلك وجه استخدامها السليم ، إنما تقول العرب : فلان عُرْضةٌ للشيء أي قَوِيٌّ عليه ، وبَعِير عُرْضة للسفر : قوي عليه .
ومما يوضع عند بعضهم في غير موضعه قولهم : أَخْدَعَ فلان صاحبه ، يقصدون بذلك أنّه غشَّه أو مكر به وما هذا بسليم لغوياً ، إنّما يقال : أخْدَعَ الشيءَ إذا أخفاه ، ومنه سمي المُخْدَع . ويعبّر بعضهم بلفظة ( التُّحْفَة ) عن الشيء الثمين أو الجميل ، يقولون مثلاً : كانت تلك القصة أو اللوحة تُحْفَة فنِّيَّة رائعة ، ولا تصلح لفظة التُّحْفَة هنا للإيفاء بالغرض المطلوب ؛ لأنّ معنى التُّحْفَة في اللغة هو : العَطِيّة ، وقد جاء في معجم لسان العرب لابن منظور أنّ التُّحْفَة ما أتحفت به الرجل من البِرِّ واللُّطْف ، والتُّحْفَة الطُّرْفَة من الفاكهة وغيرها من الرَّياحين ... وعلى هذا يكون المعنى قد تطوّر على نحو آخر عند المحدثين فدلّ على اللوحة وما يشابهها .
وكثير من الناس ينطق الفعل ( دَهِشَ ) على غير وجهه الصحيح يقولون : أَدْهَشَهُ فدُهِشَ على ما لم يسمَّ فاعله ، بينما الصّواب فيها أن تقول : دَهِشَ . ومن الناس من يقول : جاؤوا من كل حَدْب وصوب ، يقولونها بتسكين الدال في حدْب ، ولا تعرف العربية ذلك في فصيحها إنّما يقال : من كل حَدَب وصوب ( بفتح الدال ) . وأصل الحَدَب : ما ارتفع من الأرض . وهناك من يقول : صيوان الأذن فهذا أيضا غير سليم إنما يقال : صِوَان
( من غير ياء ) . وعلى غير الصواب يقولون على من يرث : وَرِيث ، والصحيح فيها أن تقول : هو وارث
لا وريث .

د.أحمد بن عبدالرحمن بالخير
أستاذ الدراسات اللغوية بكلية العلوم التطبيقية بصلالة
[email protected]