كنت أتخيل بأنه جنّة في الأرض، لم أزره في حياتي لربما تقصير مني أو انشغال في حيثيات الحياة ومقتضياتها، بيد أنني كنت أطمح كثيرا لزيارته، ولم تسعفني الظروف فهو بحاجة - حسب ما أخبرت - إلى مركبة ذات دفع رباعي لصعوبة الصعود وعلة النزول، كانت مخيلتي تخيّل لي بأنّ الصعود إليه بالغ الصعوبة والتعقيد بيد أنّ الأمر مختلف تماما لما تخيلت فكان الصعود سهل عندما أتيجت لي فرصة زيارته، حين صعدته براحة وتؤدة وأريحية دون تكليف، أعني في ذلك الجبل الأخضر والذي أتخيل أنه مليء خضرة وحسنا حتى قلت في قرارة نفسي ليس اعتباطا أن أطلق على الجبل بصفة الأخضر فيحقّ لنا ان نسأل المعنيين بالجوانب السياحية والنحاة أيهما أبلغ هنا قصر الموصوف على الصفة أم قصر الصفة على الموصوف؟ فلو افترضنا هنا في هذا المجال بقصر الموصوف على الصفة فقلنا بأنّ الجبل أخضر لإبراز مواطن التمييز بأنّ الجبل فعلا يتميز بالخضرة، إذا أحسنّا استعمال قصر الموصوف على الصفة. ولربما يحسن كذلك استعمال قصر الصفة على الموصوف في الثناء والمبالغة في اتصاف الموصوف بالصفة، كقولنا: ما الجبل إلاّ الأخضر، فنحن بهذا نقصر الخضرة والجمال الحسن كله على الجبل، حتى لكأنّ جبال أخرى غير الجبل الأخضر لا تستحق هذه الصفة، وهذا بلا شك غاية الثناء، هنا يحقّ لنا أن نطرح تساؤلا هل وصف الجبل الأخضر بصفة الأخضر والجمال الحسن مطابق فعليّا لواقعه؟
صعدتُ الجبل في يوم غطت السحب الكثيفة فيه على شمس الجبل، وتساقطت أمطار الخير والبركة فكانت السحب الكثيفة تدنو من الجبل، حتى خيل لي بأنّ الجبل يصّاعد الى السحب الكثيفة فيدنو منها لدرجة أن أصوات الرعد تسمع بدرجة أكبر عن الوضع الاعتيادي ففي تلك اللحظات أعددت قراءة عاجلة من بعض الأخوة السائحين وبعض القاطنين ومن خلال قراءتي عن أوضاع الجبل وأحواله وما آل إليه من وضع سياحيّ واقتصاديّ يجب اليوم في ظل انتعاش السياحة أن ينعش البلاد ويدفع بالمقومات السياحيّة إلى التقدم والرقي وبناء سمعة نوعيّة لمقومات الجبل الأخضر السياحية. فأبديت ومن معي اندهاشا كوني أزور الجبل للمرة الأولى ليقتصر وضعه على مزرعة فارهة وبعض الخدمات الحكومية والمرافق الأخرى ومطاعم ذات الوضع الطبيعي بعدد أصابع اليد الواحدة حيث أتوقع أن أجد من يدفع بأهل الجبل إلى صناعة سياحية متفردة متميزة كونهم أهله فهم أولى بمعرفة شعابه ومداخله ومخارجة وقدرتهم على صناعة السياحة إلاّ أنني وجدت بعضهم يكتفي بعرض الفواكه وماء الورد وبيعه والصعود بالسائحين في سيارات الدفع الرباعي.
كم تمنيتُ أن أجد الجبل الأخضر جبلا آخر كما كان بمخيلتي استقطاب أفواج سياحية ومنتزهات جاذبة للسائح والقاطن وخصوصيّات تتناسب وأوضاع الجبل من حيث التسهيلات وتحديث الشوارع ومدّ الجسور الداخلية والحشائش والتشجير والاضواء المتميزة والخدمات المتعددة الاشكال وعوامل الجذب السياحي المختلفة وعربة القطار الهوائي (التفلريك) فهو المكان المناسب فعليّا لقضاء عطلة الاسبوع عندما تخيلت ذلك قبل زيارتي للجبل. لم يكن تخيلي لذلك من باب المجاملة والمبالغة ولكن بقدر ما حمل الجبل من تاريخ عتيد سطر في تاريخ الامة وبقدر ما شموخه وصموده ألا يستحق أن يصبح الجبل سفيراً منفردا للسياحة الداخلية في البلاد؟
إنّ ما نرمي الوصول إليه في هذا النص يتعلق بما يؤول إليه العالم اليوم من تحديث وتطوير سياحي أو كما يقال صناعة السياحة وبطبيعة الحال لكل مقام مقال، ولكل بلد خصوصيته، ولكن الملاحظ بأنّ الخصوصيّة السياحيّة للجبل الخضر لم تحقق أهدافها المرجوة، ولم يتقن المسؤولون تجارة السياحة وصناعتها في الجبل الذي يجب أن يصبح أخضرا يليق بالصفة الموصوف بها والمعروف بها في دوليا ومحليا.
نتمنى أن تطال يد الإعمار السياحي الفاعل إلى هذه الارض الخصبة فتصبح جنّة عمان وحاضرها السياحي فالزائر حقيقة يشعر براحة واستمتاع غير اعتيادي عند صعوده الجبل الاخضر خصوصا عندما يتابع البصر ويمتدّ عبر تلك المدرجات الرائعة البديعة التي ميزت الجبل عن سائر الجبال وتلك الأودية والجبال الملتفة حول الجبل والمتناسقة فيها عيون الماء وخريرها. من هنا ,جب أن ندرك لما للجبل الأخضر من أهمية حضارية تستحق تقديرا في تحديث مكانته سياحيا واقتصاديا وتعليميا ويصبح مدينة خلابة تبهر السائح وتجبره البقاء بين أروقته.

خلفان بن محمد المبسلي
[email protected]