يعد مهرجان مسقط الذي انطلقت فعالياته أمس بحديقتي العامرات والنسيم مناسبة احتفالية ترفيهية وسياحية وترويجية تقيمها السلطنة ممثلة في بلدية مسقط، احتفالية تتمازج فيها ألوان الماضي والحاضر وتتعانق فيها جماليات التراث والمعاصرة، راسمةً لوحة بديعة تسر الناظرين، وهي احتفالية بكل ما تحمله الكلمة من معنى؛ لما تمثله من فرصة يتم من خلالها التعريف بثقافة وحضارة عُمان الضاربة في أعماق التاريخ الذي أفرد مساحات واسعة لتسجيل المظاهر الحضارية والموروثات التاريخية والوسائل التي ابتكرها الإنسان العماني والتي تدل على حكمته وقدرته على التغلب على مصاعب الحياة وتذليلها، وعلى طرقه في توظيف الإمكانات والمقومات التي حبا الله بها عُمان، حيث كانت صناعة السفن العمانية وسيلة من وسائل التواصل الحضاري، والتي مخرت عباب البحار حاملة معها مشاعل العلم والمعرفة ورسالة الإسلام، فضلًا عن الجانب التجاري.
ويأتي مهرجان مسقط في نسخته الجديدة (الرابعة عشرة) لهذا العام بمشاركة اثنتين وستين دولة من مختلف أنحاء العالم في قالب متجدد يحمل الكثير من السمات والعلامات الفارقة لما سوف يقدمه من ألوان متباينة تجمع بين التراث والأصالة والمعاصرة كرسالة مفتوحة إلى كافة الشعوب لزيارة هذه المدينة التاريخية، كما سيقدم المهرجان لزواره فعاليات مبهرة عالمية تراثية وثقافية وترفيهية ورياضية وباقات من الأنشطة الجديدة والعروض الشيقة وذلك بمشاركة واسعة من الدول العالمية والعربية، حيث لاقت مواقع المهرجان بحديقتي النسيم والعامرات من أول يوم حضورًا جماهيريًّا كبيرًا للاستمتاع بأجواء الفعاليات، ما يعكس حرص القائمين على المهرجان على التجديد والتطوير بهدف رسم الابتسامة على شفاه زواره وإدخال البهجة والسرور، آخذين في ذلك الجانب النفسي للزائرين، نظرًا لما يشكله التكرار في الفعاليات من سأم وعزوف، حيث إن النفس البشرية مجبولة دائمًا على حب الجديد، وهذا ما نحسب أنه كان حاضرًا بقوة في أذهان القائمين والمنظمين بشكل دائم لكون المهرجان متنفسًا سنويًّا وترفيهيًّا الهدف الأول منه إدخال البسمة والفرحة في قلوب وأنفس كل أسرة عمانية أو مقيمة أو زائرة، لا سيما وأن وقت انطلاقه يأتي بُعيْدَ انتهاء أبنائنا الطلاب من امتحانات الفصل الدراسي الأول، ما يعد تجديدًا لنشاطهم وتغييرًا في روتين حياتهم.
إن مهرجان مسقط يمثل فرصة مناسبة للتعريف بالمقومات السياحية للبلاد وبالسلطنة بوجه عام التي أهَّلها موقعها الجغرافي لأن تتواصل مع حضارات العالم القديم والحديث، ويتيح في الوقت ذاته فرصًا عديدة للمواطنين في رفد مداخيلهم، سواء من خلال مشاركتهم بالمهرجان أو عرض مشغولاتهم الحرفية، ما ينعش الحالة الاقتصادية في بلادنا، وبالتالي فإن الهدف من المهرجان لا يقتصر على رسم البسمة والمحبة في وجوه زواره، وإنما مساعدة المواطنين والشباب على التفكير في بلورة أفكار اقتصادية وتطبيقها بإقامة مشاريع تجارية وإنتاجية، وذلك عبر ما يشاهدونه في أروقة المهرجان المختلفة وما يحتضنه من فعاليات ومعروضات وألعاب ترفيهية.
إن مهرجان مسقط كغيره من المهرجانات الثقافية والاقتصادية والترفيهية له رصيده وصيته ومحبوه، ولكي يكون أكثر جاذبية وشعبية وينال اهتمامًا أكبر من قبل مختلف الشرائح التي يتوجه إليها، لا بد أن يعمل القائمون والمنظمون على اختيار الأماكن الملائمة ذات الساحات الواسعة بعيدًا عن أماكن الازدحام، واستمرار الحرص على إثراء فعالياته بالمزيد من التنوع دون إغفال للجوانب الإعلانية في الفضائيات والصحف، والترويجية كزيادة السحوبات على الجوائز، وغيرها من الأمور التي تحبب الزائرين وترسم على وجوههم ابتسامة عريضة وتدفعهم إلى الحرص على ارتياد المهرجان وتكراره.