[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]
يتندر عراقيون هذه الأيام بتضمين ميثولوجي شائع (يموت الديك وعينه على المزبلة) في إشارات إلى متمرسين بالطمع، من خلال زج أنوفهم، ليس فقط في الاستدلال على مخابئ الغنائم، وإنما أيضا توجيه حاسة البحث إلى مكبات النفايات على أمل أن يجدوا فيها ما يزيد الثراء لديهم تماهيا مع سلوك الديكة، وكأنهم يشاركون في النيات نساء وأطفالا فقراء يواظبون في مراجعات يومية لأطنان النفايات التي ترمى بضواحي مدن عراقية (تتميز) بالنزعات الاستهلاكية المفرطة جراء مرض الولائم والشعور التاريخي بالمجاعة، ولذلك تشغلهم ضرورة البذخ. وهم عموما من حديثي النعمة؛ أصحاب الشراهة النزقة.
على أي حال لا يحتاج المتابعون لهذا الشأن أية جهود ميدانية مضنية للتعرف على أفراد يضاهون سلوك الديكة في ملازمة النظر إلى مزابل علهم يلتقطون منها ما يزيد ثرواتهم.
إن جميع موظفي مؤسسات الدولة العراقية ضمن الفئات الأولى والثانية والثالثة يتسلمون مرتبات ومكافآت وهبات أعلى بكثير مما يستحقون، امتدادا للطعم التخريبي الذي اعتمده بريمر الحاكم الأميركي للعراق، فقد اعترف: لم يسألني أغلبهم في مجلس الحكم ما هي خططي للبلاد، بل سألتني هذه الأغلبية عن منح ومكافآت لهم.
لقد حصل نقل مبرمج لتلك النزعة باتجاه مجسات الدولة في متواليات كسب، على غرار نيات الديكة إلى حد التطلع نحو المزابل إن كان فيها ما يمكن أن يلتقطوه فوائد لهم.
الحال هناك الآن موظفون كثر يستطيب لهم التمرغ في باحات الصناديق المالية في أي ركن وجدت، بل امتدت الأيدي إلى صناديق جمعيات خيرية معنية بالأيتام والأرامل والمسنين والمشردين.
هناك صور أخرى للفساد، عندما يلجأ البعض في تبرير نقص عدالة سلم الرواتب إلى تراجع العائدات النفطية التي يمكن أن تلبي الطموح في تحسين الأحوال المعاشية للعراقيين جميعا وهم يروجون لهذه التبريرات كي يتم التعتيم إلى ما يستولون عليه.
إنها عمليات تمويه وغش ونصب كمائن واستغفال بامتياز، مع أن مرتبات تلك الفئات تبهظ الميزانيات العامة، وبتفصيل مضاف: إن حالات الاستحواذ هذه تمثل قنوات تفسيد استهلاكي منظم لا سوابق له في الحياة العراقية.
الخلاصة، إن الغنائم التي يستأثر بها مسؤولون سياسيون رافعات كبيرة للبطالة والعجز المتوارث سنويا بتراكمات مع ضعف الميزانيات الإدارية والتشغيلية. ولي أن أضيف أيضا عن يقين قاطع بوجود متلازمة نزعة التسول التي لم تقتصر على فقراء معدمين، وإنما استمرأت هذه النزعة أغلبية من الموظفين العموميين، ما أوقعهم في متواليات السطو وتلويث الرأي العام العراقي بروايات ملفقة عن عدم وجود أية بارقة أمل في الإصلاح تكريسا لحالة اليأس، وبالمقابل يمتهنون الاشتكاء الزائف في التركيز على ذريعة ارتفاع الأسعار وأن مرتباتهم لا تكفيهم.
هناك عراقيون تسللوا إلى مقاربات من خزائن الدولة العراقية علهم يقتنصون مبلغا من هذه الزاوية أو تلك، بإسناد أنفسهم إلى رواتب الرعاية الاجتماعيه خلسة رغم أنهم فوق الغنى الاعتيادي بأكثر من صفحة واحدة، آخرون استخدموا (مهاراتهم) في توظيف الصفقات الشائعة (انفعني وانفعك) على وزن المثل العربي المخضرم (احملني واحملك)، ولذلك توالدت شبكة منافع متبادلة غير مشروعة، ومعقدة.
لقد ضرب الفساد منظومة الشرف الاجتماعي العام في الصميم، وهنا تكمن المعضلة، والمقرف السائد أسريا أن هناك عراقيات محرضات ناشطات للأزواج على السرقة تماهيا ظلاميا مع شهادة الشاعر المتنبي (على قدر أهل العزم تأتي العزائم)، الواحدة منهن لا تتورع من لعنة حظها الأسود الذي لم يساوِها مع أخريات أغرقوهن أزواجهن بالذهب والماس، والبيوت الفارهة، وتجزية الوقت في الأسواق، والإقامة المتكررة بمنتجعات خلابة.
إن الفقر الأشد عراقيا هو الفقر الأخلاقي، وهو فقر بدون أرقام، وتلك معضلة أخرى للذين يعتقدون حسابيا (أن واحد زائد واحد يساوي اثنين) فقط، من غير الخوض في التفاصيل الجانبية.