[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedabdel.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد عبد الصادق[/author]
”أصاب المغرب عندما رفض تعريض أمنه الصحي للخطر من أجل بطولة كرة، لا يكسب من ورائها سوى الاتحاد الإفريقي (الكاف)، وقنواته المشفرة، بينما تتكبد الدولة المنظمة ملايين الدولارات في إنشاء الملاعب وصيانة المنشآت الرياضية، وتوفير أماكن الإقامة، وتهيئة الطرق والمواصلات، دون أن تحصل على المقابل المادي المجزي،”
ــــــــــــــــــــــــــ
لم يخطئ المغرب عندما طلب على لسان وزيري الصحة والرياضة تأجيل استضافة كأس الأمم الإفريقية المزمع انطلاقه في منتصف يناير القادم وجاء هذا الطلب بناء على قرار وزارة الصحة المغربية الذي أكد على ضرورة تفادي التجمعات التي يشارك فيها وافدون من الدول التي ينتشر فيها وباء الإيبولا، وقال وزير الصحة المغربي إن بلاده ليست في مأمن من انتقال الفيروس إلى أراضيها، وأنها ستتخذ كافة الإجراءات اللازمة للحيلولة دون ذلك، مؤكداً أن التشريعات الدولية تسمح للمغرب باتخاذ الإجراءات الضرورية لحماية مواطنيها من انتقال الإيبولا، على غرار بعض الدول الأوروبية التي أوقفت الرحلات الجوية للمناطق الموبوءة، ومنعت رعايا الدول التي ظهر فيها الوباء من دخول أراضيها.
وأضاف الوزير المغربي أن خطورة الإيبولا تكمن في عدم ظهور علاج فعال أو مصل واقٍ من المرض حتى الآن، وبقاء الفيروس في جسم المصاب أكثر من إسبوعين دون ظهور أي أعراض عليه، ولما كان الشعب المغربي معروفاً بوده واختلاطه الزائد بالزائرين، وهناك توقعات بتوافد أكثر من مليون زائر لمتابعة فعاليات البطولة الكروية الإفريقية مما يصعب على السلطات الصحية المغربية مراقبتهم والتأكد من عدم إصابتهم بهذا الوباء الذي ينتقل بشكل سريع في دول غرب إفريقيا وتسبب حتى الآن في وفاة 4500 شخص من إجمالي 9000 أصيبوا بالمرض وهي نسبة عالية للغاية.
ولم يكتف المغرب بطلب التأجيل ولكنه أبدى عدم ممانعته في سحب تنظيم البطولة، وإسناد تنظيمها لدولة أخرى في حالة إصرار الاتحاد الإفريقي للكرة (الكاف) على تنظيم البطولة في يناير القادم، وأكد الوزير المغربي أن القرار نهائي وجاء بعد دراسة مستفيضة وأن ما يهمنا هو صحة مواطنينا، ولن نعرض أنفسنا للمخاطر حتى لو كانت ضئيلة من أجل بضع مباريات للكرة.
والمغرب الذي أفلت من رياح ما يسمى (الربيع العربي)، حقق نجاحات مهمة في القطاع السياحي رغم الظروف الدولية الصعبة التي أثرت على حركة السياحة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فالسياحة تساهم بما يقارب 20% من الناتج المحلي للمغرب، بعدما تخطى عتبة الـ 10 ملايين سائح في 2013م واستطاعت السياحة توفير ملايين فرص العمل في بلد يعاني من محدودية الموارد والأموال اللازمة لتوفير فرص عمل ومستوى معيشي معقول لـ 30 مليون مغربي.
أصاب المغرب عندما رفض تعريض أمنه الصحي للخطر من أجل بطولة كرة، لا يكسب من ورائها سوى الاتحاد الإفريقي (الكاف)، وقنواته المشفرة، بينما تتكبد الدولة المنظمة ملايين الدولارات في إنشاء الملاعب وصيانة المنشآت الرياضية، وتوفير أماكن الإقامة، وتهيئة الطرق والمواصلات، دون أن تحصل على المقابل المادي المجزي، لأن مشجعي البطولة يأتي معظمهم من دول إفريقية فقيرة لا يحملون معهم سوى الطبول والمزامير الإفريقية المزعجة، وتوليفة منتقاة من الأمراض الوبائية المستوطنة، بالإضافة لمجموعة من السماسرة وتجار البشر يأتون من أوروبا للبحث عن المواهب الإفريقية صغيرة السن؛ يشترونهم بأثمان بخس ويبيعونهم للأندية الأوروبية لقاء عمولات تستقر كاملة في جيوبهم، دون الالتفات لحالتهم الصحية، أو حاجتهم للتعليم والثقافة ورفع الوعي، ورأينا لاعبين أفارقة كبار ماتوا في الملعب جراء إصابتهم بأزمات قلبية مفاجئة، لأنهم لم يخضعوا للفحص والرعاية الطبية اللازمة قبل بيعهم للأندية الأوروبية التي يسيطر عليها السماسرة والمضاربون بعيداً عن الرياضة والقيم الأخلاقية، والمعايير الأوليمبية الدولية التي تحمي فقط الرياضي الأميركي والأوروبي، وربما الآسيوي، ولكنها لا تمتد إلى إفريقيا السوداء.
وسبب إصرار الاتحاد الإفريقي على إقامة البطولة في يناير 2014م هو تورطه في توقيع عقود الرعاية وبيعه حقوق البث بملايين الدولارات للبطولة الإفريقية للمنتخبات التي تحولت لدجاجة تبيض ذهباً لرئيس الاتحاد الإفريقي وأعضائه ـ المفروض أنهم متطوعون ـ الذين لم يكتفوا بالهدايا الثمينة التي يحصلون عليها من الدول المتنافسة على التنظيم، ولا الإقامة المجانية الفارهة في فنادق الخمس نجوم، بل يحصلون على نسب معتبرة من كل عقد رعاية أو بث تليفزيوني، فضلاً عن بدلات السفر، ومصروف الجيب، وتذاكر الطيران في الدرجات الفاخرة، وتعامل سياراتهم معاملة السيارات الدبلوماسية، ويدخلون أي دولة إفريقية من قاعة كبار الزوار.
وبعد أن كان الاتحاد الإفريقي يشتهر بفقره، لدرجة عجزه عن سداد إيجار مقره في القاهرة، وكانت الحكومة المصرية تتحمل تكاليف إقامة الرئيس، والأعضاء، وأجور الموظفين حتى منتصف الثمانينات؛ أصبح (الكاف) حاليًّا من الاتحادات الغنية، التي تنافس الاتحادين الأوروبي والآسيوي في الإيرادات الناتجة عن تسويق مسابقاته، ودخلت خزائنه ملايين الدولارات بفضل بطولات الأندية والأمم التي تحقق له مداخيل متجددة، ولكن الاتحاد الإفريقي للأسف لم يفكر يوماً بشكل إنساني أن يساعد الأفارقة المعدمين في شرق وغرب وجنوب القارة بالمساهمة في بناء مدرسة أو مستشفى أو حتى ملعب ترابي، أو ينشئ مراكز تأهيل رياضية في الدول الفقيرة وهي كثيرة يقوم من خلالها برعاية النشء صحيًّا ورياضيًّا واجتماعيًّا، بدلاً من أن تفتك بهم الأوبئة والإهمال وسوء التغذية، والعادات والتقاليد البالية.
أما عن وباء الإيبولا الذي تفشى حتى الآن في غينيا وسيراليون وليبيريا فهو مرض ينشأ بسبب الاتصال المباشر بين الإنسان والحيوان المصاب بالعدوى، وهذا أمر شائع في إفريقيا، أو بسبب أكل الإنسان الإفريقي الفاكهة مباشرة من شجرة أصابها خفاش الفاكهة، وبمجرد إصابة الإنسان بالعدوى يقوم بنشرها عن طريق سوائل الجسم (الدم، اللعاب، المني) حيث يظل الفيروس داخل المني لمدة شهرين دون ظهور أعراض المرض والمتمثلة في: الحمى والتهاب الحلق وآلام في العضلات، وصداع يصاحبه غثيان وقيء وإسهال وخلل في وظائف الكلى، وارتفاع في إنزيمات الكبد يؤدي إلى حدوث نزف من العينين والأذنين واللثة ونزيف داخلي يؤدي في أغلب الأحيان للوفاة .
وللأسف الشديد لم يظهر علاج ناجع لهذا المرض الفتاك حتى الآن اللهم إلا بعض الاجتهادات الطبية مثل استخلاص أجسام مضادة من بلازما المصابين الذين شفوا من المرض وحقن المرضى المصابين بها، وأعلنت شركات الأدوية العالمية أنها لن تستطيع طرح أدوية للإيبولا قبل نهاية 2016م، ويعزو بطء الأبحاث لعلاج الإيبولا، وقلة حماس شركات الأدوية، لظهور المرض في دول فقيرة لا تقدر على دفع تكلفة الأبحاث ولا الأدوية اللازمة للعلاج، حتى عندما تحرك المجتمع الدولي وأنشأ صندوقاً لمساعدة الدول الموبوءة في مكافحة الإيبولا، كانت الحصيلة فضيحة، لم تتعد 100 ألف دولار تبرعت بها كولومبيا الغلبانة؛ في الوقت الذي تحتاج جهود المكافحة مليار دولار.