مصيدة أوسلوستان
إنه ما صرَّح به كتعقيب على صدور الإعلان التهويدي الأخير المشار إليه بدايةً، والذي فحواه أنه يرى فيه ما يعني له بأن حكومة الاحتلال، التي يفاوضها، منطلقًا من شعاره الشهير “المفاوضات حياة”، “تؤكد أنها ترغب فقط في استمرار الاستيطان الذي يدمِّر كل أفق السلام”… حسنًا، وعليه، ثم ماذا بعد يا كبير المفاوضين؟!
إنه ليس سوى العودة لمواصلة تليد حياته التفاوضية إياها، والتي لا من غيرها في قاموسه، ولا بوسعه الانفكاك منها، ما دام حالا في بائس شركه الأوسلوي. وبالتالي، فهو سيوالي حكمًا مفاوضاته العبثية بمعزل تام عن مكرور اكتشافاته المستتبعة لما صدر وسيصدر من قرارات تهويدية، وكذا ما يتلازم معها من متواتر أخبار الاعتداءات شبه اليومية والمتصاعدة لقطعان المستعمرين على القرى الفلسطينية المستضعفة، والمنكوبة بتجريدها من أراضيها، والتي حُوِّلت إلى شبه معتقلات كبيرة وباتت هدفًا سهلًا ودائمًا لغاراتهم الهمجية المتكررة، وآخرها اقتلاعهم لـ800 شجرة زيتون من أراضي قرية سنجل شمال رام الله، وما سبقه من مهاجمة هذه القطعان لقرية ديراستيا المنتكبة بقربها من مستعمرة “اريئيل”، حيث أحرقوا مسجدها وكتبوا على جدرانه عباراتهم الحاقدة المتوعدة بالعبرية، من مثل، “العرب إلى الخارج”، ذلك بموازاة قيام جيش الاحتلال بهدم منازل ومنشآت زراعية في السفوح شمال شرق طوباس… بمعزل تام عن ما يجري للقدس ولحرمها الشريف، الذي باتت ساحاته هدفًا يوميًّا مستباحا للتدنيس، وبعدما نبشوا ما تحته ها هم يتسلقون إلى ما فوقه ويعتلون قبة أقصاه، أو عمليًّا يمهِّدون لهدمه… كما ولن يلتفت الأوسلويون المفاوضون إلى الغارات الدموية المتوالية على غزة المنكوبة بالحصار الإبادي، الصهيوني والعربي، من حولها، ولا لتهديدات نتنياهو الأخيرة باستباحة دماء الغزيين وتلقينهم درسًا قاسيًا و”قريبًا جدًّا”.
مشكلة الأوسلويين أنهم، ومنذ إدخالهم لأنفسهم في القفص الأوسلوي، قد باتوا رهينة المحتل، أي أوقعوا أنفسهم في المصيدة الأوسلوية فأمسوا من حبيسيها، وإذ لم تعد لهم، وفق منطقهم التسووي ومنهجهم التفريطي، من خيارات تؤمن لهم استمراريتهم سوى تنازلاتهم، التي كرَّت مسبحتها ففتح توالي فصولها شهية الغزاة، فلا أحب لدى هؤلاء من مطالبة من هم في داخل مصيدتهم بهل من مزيد؟! وحيث إن أية حركة تسووية مع هكذا عدو، وفي هكذا ظروف، ووفق هكذا معادلات، أو في ظل هكذا واقع عربي متردٍّ ولم يسبق له المثيل في تراوحه بين التواطؤ التصفوي المشين للقضية والعجز المقيت المعضد له، هي بالضرورة خطوة تصفوية للقضية الفلسطينية، تتضح اليوم لنا فداحة وخطورة ما قد تجره عليها مفاوضاتهم … وحيث إن كافة مثل هذه الخطوات التسووية تعد أو تجري وفق السيناريوهات أو متطلبات الإخراج والإنتاج الأميركي، هي بالضرورة لن تشذ عن مفهوم الحلول الصهيونية التصفوية للصراع ورؤية الصهاينة لكيفية إنهائه، فإن ساكني القفص الأوسلوي هم الآن في حال من باتوا وجها لوجه مع خطة كيري الصهيونية ومستحقاتها، أي لم تعد “اللعم” العتيدة تجدي رهائن مصيدة هم من سعوا للوقوع فيها، ناهيك أن محاولة الخروج منها ليست في واردهم ولا من خياراتهم، إذ هي لن تكون، في رأينا، إلا بحل هذه السلطة البائسة لنفسها، أو العودة لخيار المقاومة، أو ما هي تنسق مع المحتلين لكبحه، وهذا هو ما ليس من المأمول ومن غير المتوقع منها… خطة كيري الغامضة المتوالية التغيُّر والتبدُّل والتكيُّف وفق البارومتر الصهيوني، أو هذه التي حوَّلتها سيناريوهات الاستدراج للتنازلات الأوسلوية من اتفاقية حل إلى ورقة إطار لترسو حتى الآن على اتفاق مبادئ، على رأسها “يهودية الدولة”، والتخلي عن حق العودة، مقابل حلول مؤقتة في ظل مفاوضات دائمة، حتى استكمال تهويد ما لم يهوَّد بعد من كامل فلسطين من نهرها إلى بحرها، أو ما سوف يوالي الدكتور عريقات إعادة اكتشافه في كل مناسبة تهويدية يتم الإعلان عنها…