عرض ـ حسام محمود
حرص الدكتور على يحيى في كتابه " إنتاج الأفلام الروائية "على تقديم بانوراما أكاديمية حول أساليب احتراف تسويق الفيلم الروائي باقتباس بعض جوانبها من التجارب الغربية والأميركية , خاصة ناحيتها الإنتاجية , وذلك من خلال كيفية صناعة وتسويق هذه النوعية من الأفلام لتتواكب مع مقتضيات العصر , واستغلال قنوات العرض المختلفة في محاولة لزيادة شعبية الفيلم الروائي ليواجه موجات التهافت الشعبي على الأفلام التجارية . وقد ركز الدكتور على يحيى في كتابه إنتاج الأفلام الروائية على إدارة الزخم الإنتاجي لعناصر صناعة السينما كى تكون هناك مكانة مستحقة للأفلام الروائية , ومن ثم مسايرة هذه النوعية من الافلام للتحديث الراهن من خلال استثمار وجود شبكات وقنوات فضائية وتليفزيونية وأجهزة حديثة جعلت عرض الأفلام لا يقتصر على شاشات السينما بل جذبت الشاشة الصغيرة والفضائيات الآلاف ممن يريدون التسلية دون التنقل , فيما يعانى الفيلم الروائي من كونه في مرتبة أقل نتيجة النظرة له كنوع خاص أكثر جدية وتغليبه المضمون على التسلية , إنها معضلة كيفية تحديث الفيلم الروائي ليكون متناغما مع متطلبات السوق .
نوعية خاصة
الفيلم الروائي فيلم يروى قصة سردية أو رواية . والسينما الروائية مناقضة تماما للسينما التقليدية في صورتها العادية التي تعنى بتقديم المعلومات بصورة مباشرة مثل : الأفلام ذات الطبيعة الوثائقية ، أو الأفلام التجريبية . وفي بعض الحالات يمكن أن تتضمن الأفلام الوثائقية بعض القصص مع أن هذا مخالف لطبيعتها . وخلافا للخيال الأدبي الذي يبنى على الأحداث والمواقف والأحداث الوهمية ، فإن السينما لها دائما أساس واقعي ، يدعى في فن السينما البروفيلميك ، وهو يشمل كل شيء يحدث ويظهر أمام الكاميرا . وتحتاج صناعة السينما الروائية إلى نهضة ملموسة تنعشها من خلال التوزيع الجيد , وتوفير موازين القوى لفتح أسواق جديدة تبدو فى طور النمو , وتبدو حركة الأفلام الروائية في حالة تراجع مضطرد نتيجة غياب مفاهيم البطولة والنجومية ورغبة الجمهور في تسلية بلا هدف في بعض البلدان العربية , مما جعل المنتجون يهرعون وراء ماديات كفيلة بخنق الرواية كأداة لصناعة الفن , حتى جاءت انفراجة استخدام أحدث تقنيات صناعة السينما على الساحة الأميركية والغربية في انتاج أفلام وثائقية وروائية , فباتت صناعة الفيلم الروائي تطفو نحو كيفية الجمع بين مزايا التجارة والقيم السامية . لكن للأسف المعضلة تكمن في كون الصور السينمائية لمخيلة الجمهور للعمل الروائي أنه كدرس تعليمي جامد وغير مسلى وممتع , مما عزف بالناس عن الاطلاع عليه بشكل يناسبه كقيمة إبداعية . والجمهور العربي لا يذهب لمشاهدة الأفلام الروائية في دور السينما غالبا إلا نادرا جدا , فهو يذهب لمشاهدة النجوم فى السينما التجارية. والتلفزيون الرسمي هو السبيل الوحيد لعرض هذه الأفلام على الساحة العربية لكن للأسف القنوات التلفزيونية تريد عرض هذه الأفلام مجانا بدون أى مقابل , وهذا لا يحدث في اي مكان بالعالم ، وبالتالي لا يجرؤ أحد من رجال الأعمال والشركات على إنتاج هذه الأفلام المتخصصة ، عكس الدول الأوروبية التي تنتجها بسهولة لضمان الربح فيها لأن الثقافة الفنية موجودة والرغبة فى الاستفادة لا التسلية فقط دون مضمون . وفي ظل الأزمة التي تواجهها صناعة السينما في المنطقة العربية على مستوى الأفلام الروائية الطويلة تطل أزمة أخرى تلقي بظلالها على الأفلام الروائية القصيرة وكذلك الأفلام التسجيلية , وذلك في ظل حاجة تلك النوعية من الأعمال لمنافذ عرض خاصة بها ، وهو ما لا يتواجد إضافة إلى عزوف المنتجين عن تقديمها . كما أن الأزمة تتلخص في عدم وجود ترابط بين مراحل تنفيذ الفيلم المختلفة ، من كتابة وتنفيذ وإنتاج وتوزيع خاصة وأن المخرج حينما يقدم فيلما فإنه يستغل الأموال التي تأتي منه من أجل تقديم عمل آخر .
معايير التسويق
عملية إنتاج الأفلام الروائية ذات جوانب مختلفة ومستقلة في الولايات المتحدة حيث أن التمويل لا يكون به مشكلة في حالة وجود نص جيد ومخرج متميز ونجم سينمائي مبدع يستطيع أن يصل رسالة سامية من خلال الفيلم إلى الجمهور , وهناك مصادر أخرى لتمويل الأفلام كشركات الإنتاج الحر التي تتمتع باتفاقية مع الاستوديوهات , ووجود متخصصين وتمويل أجنبي , ومشاركة بين التليفزيون والإذاعة والشبكات المدفوعة , أما على الساحة الفنية العربية فهناك تناقض كبير عن الحالة في السينما الغربية والأمريكية , فالسير يكون نحو الأفلام التي تبدو أنها تجذب انتباه الجمهور خاصة في مصر هوليود الشرق , حتى أن معايير التجارة غلبت على النص والهدف , فنجد أفلاما موجهة لعدد محدود من المشاهدين تلقى قبولا من فئات معينة, لكن الغالب الآن هو ان إنتاج الأفلام يكون بطابع كيفية مواكبة السوق لجذب أموال رواد السينما , مما قد يفرض على صناع السينما في مصر والعالم العربي عدم التقيد بأهداف صناعة الفيلم المعبر عن غاية أسمى للرقى بالمجتمع , فمن المعروف أن كل فيلم سينمائي يبنى على ملكية ضمنية تتخذ أشكالا عديدة فقد تكون رواية شهيرة أو مسرحية أو سيناريو سينمائي , ولو كانت مجرد فكرة , لكن تركيز المنتجين على حق استغلال النص في السينما جعل النص يبدو كتجارة لمن يدفع أكثر , ومن ثم فإن الفيلم الروائي تراجع من حيث كيفية تسويقه والدعاية له وتوجيهه الوجهة الصحيحة . في ضوء عدم قدرته على منافسة الأفلام التجارية التي تسوق بإعلانات وأفيشات واغتنى النجوم والرقصات الاستعراضية . ومنذ ظهور النمط الهوليودي الكلاسيكي هيمنت الأفلام الروائية التي كانت في شكل أفلام روائية طويلة على السينما التجارية ، وأصبحت مرادفا عند العامة لكلمة فيلم , لكن اليوم تراجعت أمام سينما التيك أو أي بشكل كبير أسفر عن صبغ السوق الفنية بمعايير التجارة للتسلية والعرض لجذب من يرغبون التمتع بأوقات.
الترويج للجماهير
في المنطقة العربية والشرق الأوسط تبدو الأفلام الروائية نوعية من الأفلام لها سماتها الخاصة من حيث الجودة والحرية في مناقشة موضوعات لا تسمح بمناقشتها الأفلام الطويلة في الفن التقليدي ، هذه الأفلام الروائية العربية تحصد عديد من الجوائز في الداخل والخارج لكنها لا تشاهد إلا في نطاق ضيق للمتخصصين من السينمائيين فقط , وهذا تناقض يبدو بسبب الإقبال الجماهيري على الفولكلور والشعبيات وموضة الأفلام التجارية والتيك أو أي الفني في صناعة السينما العربية التي تتسم بالقرب من لغة الشارع وحتى الوصول لمعترك كيفية إخراج النقود من جيوب الجمهور للتذاكر . وببساطة تتلخص أزمة الفيلم الروائي القصير والتسجيلي في حالة عدم الألفة والتعود بين الجمهور , حتى ان الجمهور لا يعرف الفرق بين الفيلم الروائي القصير والتسجيلي بسبب ضحالة الثقافة السينمائية ، وهذه الأفلام لا تجد منفذا لها سوى المراكز الثقافية العربية والأجنبية ، ولكن من البوادر المبشرة بالأمل وجود السينما المستقلة الآن , وهي تشمل مجموعات من الشباب يقدمون هذه النوعية من الأفلام خارج نطاق المؤسسات بميزانيات محدودة , وتعتمد على تكنولوجيا الديجيتال لأنها ارخص , وتوفر حرية الحركة لصغر حجم الكاميرا ، هذا التيار المستقل سيعوض نسبيا عدم وجود جهة إنتاجية ، ومن خلال المهرجانات ذات الجوائز والقنوات التلفزيونية الخاصة , وعبر أسواق الفيلم بالمهرجانات يستطيع شباب المخرجين تسويق أفلامهم , وبالتالي تدور عجلة الإنتاج للأفلام الروائية والتسجيلية . وهناك مشاكل تواجه العمل الروائي القصير والتسجيلي متمثلة في تصاريح التصوير وإمكانيات إقامة عمل هادف مثمر ، إضافة إلى حماس المنتج الذي يرفض تقديم أى عمل روائي قصير أو إنتاجه , خاصة وأنه لا يجني من ورائه عائدا ماديا . إضافة إلى أنه لا توجد قنوات فضائية تقوم بشراء تلك الأعمال، غير أن أزمة الأفلام التسجيلية أقل وطأة بسبب رواجها عبر القنوات الفضائية التي تقوم بشرائها وعرضها.