[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]
أخيرًا وصلت البطاطا الهولندية إلى بيوت العراقيين وأخذت تتصدر موائدهم إلى جانب قائمة طويلة أخرى من الخضراوات والبقول والفواكه الأجنبية ومنها الثوم الصيني!
لم أعرف موعد وصول البطاطا الهولندية، ولكني شاهدت لافتة أمام دكان أحد باعة هذه السلع في إشعار للمستهلكين عن أهمية هذا (الحدث) التجاري مزينًا إعلانه بعبارة بشرى سارة، وهو مصطلح يستخدمه العراقيون كثيرًا هذه الأيام في الإعلان عن البضائع الأجنبية التي يستوردونها مع عبارة أخرى (الكمية محدودة)!
وفي إطار ذلك أعرف أن الطائرات الهولندية المشاركة في الحملة الجوية للتحالف الدولي من أجل دعم العراق عسكريًّا وصلت بعد وصول البطاطا بفارق زمني ليس طويلًا، وهنا ربما يسألني أحد المقتنعين بما يجري لنا وما المشكلة في هذا الحدث أن تكون البطاطا على موائد العراقيين والطائرات في أجوائهم وفق اختصاص كل منهما.
أنا هنا لا أبحث في المشاكل، ولا أدعي أنني صاحب خطوة في رسم سيناريوهات للحلول الوطنية الأمنية والطائفية، ولكن يهمني أن أضع أمام القارئ اللبيب قائمة بالموجودات الجغرافية والسكانية لكلا البلدين هولندا والعراق، فمساحة هولندا 41516 كم، بينما مساحة العراق أكثر من (438) ألف كيلومتر مربع، أما نفوس هولندا فتزيد قليلًا على عشرة ملايين نسمة، بينما تقترب نفوس العراق من (32) مليون نسمة؛ وكلا البلدين لا تنقصهما المياه الزراعية، بل حسب معلوماتي أن العراقيين يجيدون زراعة البطاطا منذ عهد ليس بالقليل، وللعراقيين تاريخ عريق في تنظيم شبكة الري حسب معلومات المهندس العراقي المعروف أحمد سوسه صاحب أكثر من مؤلف تاريخي واحد.
في دائرة هذه المعلومات القائمة على المقارنة، من الطبيعي أن تتوفر سلسلة قناعات من الصعب التعتيم عليها إذا أخذنا الموضوع من زاوية أن العراق سيظل يحتاج إلى البطاطا الهولندية، وكذلك طائرات الأوروبيين وغيرهم، بل إننا سنظل بحاجة إلى كميات أكثر من البطاطا وإلى أسراب عديدة من الطائرات الأوروبية ما دمنا نتغاضى عن حقيقة أن الأدوية المسكنة لا تعالج الأمراض، بل هي تعمل على تقطيع زمن المرض في وصلات من النقاهة والعودة المتأججة له، وهكذا سنظل عند تلك الحاجات لأن التفويض يمنح لمسؤولين عراقيين ليسوا بالقيمة الوظيفية خبرة وتفكيرا، ويكفيني للدلالة على ذلك أن الوزراء الذين تولوا الحقيبة الزراعية العراقية كانوا جميعًا بدون استثناء لا يعرفون بالزراعة إلا بقدر ما يعرفه أغلب الناس عن فوائد (الكوسة)، وما من وزير للزراعة في هذه القائمة يعرف حجم الكارثة البيئية التي حلت في البلاد، وهكذا تجده عندما يحل في الوزارة فإن أول عمل يقوم به هو تغيير طاقم ديوان مكتبه واستبدال المديرين العامين وتشتيتهم جميعا نكاية بالوزير السابق إذا كان من طائفة أخرى.
إن الخسارة العراقية في الشأن الزراعي أو في شؤون اقتصادية أخرى ستظل على طريق التواصل ما دام لا يأخذ بالتفويض المستمد من إمكانية المسؤول في هذا الشأن أو ذاك ومستوى المعلومات التي يمكن أن يضخها للعاملين معه، وأن يلتزم بالوفاء لقسم الوظيفة، ولهذا كيف لنا أن نعالج هذا الأمر إذا كنا غير قادرين على تطبيق الرجل المناسب في المكان المناسب أو على حد التعبير العراقي المحلي (اعط الخبز إلى خبازه).
لقد أراد الإسرائيليون أن يكرموا أحد قادتهم العسكريين المتمرس في العدوان على الفلسطينيين فعينوه بعد تقاعده رئيسًا لإحدى الشركات التجارية البحرية الإسرائيلية، لكن عمال الشركة وموظفيها تظاهروا ضد تعيينه، ولم يسمح له بممارسة وظيفته إلا بعد أن دخل دورة تدريبية لمدة ستة أشهر على إحدى السفن التجارية الإسرائيلية وقام برحلتين بحريتين طويلتين، ويحضرني أيضًا أن الإسرائيليين بعد احتلالهم للضفة الغربية عام 1967 عينوا مسؤولًا عن الإدارة المدنية هناك فأسندوا هذه الوظيفة إلى مناحيم ملسن وهو حائز على الدكتوراه في دراسة الشخصية العربية، ولو أردنا تطبيق هذه الإجراءات على مسؤولين عراقيين الآن بتدريبهم على مفردات الوظائف التي يتولونها لكان الإجراء الأسلم أن يأخذ الجميع إجازات طويلة الأمد حتى يتدربوا على شؤون وظائفهم ويكون التفويض صحيحًا، والشيء بالشيء يذكر لا بدّ لي من الإشارة إلى ما أقدمت عليه الأخت الصديقة الدكتورة باسكال وردا وزيرة الهجرة والمهجرين الأسبق التي انتظمت قبل أيام في دورة عن هامش حقوقي مدني معين أرادت أن تزيد خبرتها به فخاضت التجربة مع آخرين بكل حرص، فأين هذا الموقف من مسؤولين عراقيين آخرين يزعمون أنهم علماء في وظائفهم، وكفى المواطنين شر الادعاء والزعم.