مسقط ـ الوطن:
أقامت الجمعية العُمانية للكتّاب والأدباء ممثلةً في لجنة التاريخ ندوة تأريخية حملت عنوان "من مسقط إلى ممباسا" بمشاركة مجموعة من الباحثين العمانيين بمقر الجمعية بمرتفعات المطار.
الندوة التي أدارها الكاتب يونس النعماني، وحضرها جمع من المهتمين بالشأن التاريخي والثقافي في السلطنة، اشتملت على ثلاث أوراق بحثية، فقد قدم الدكتور عبدالله الغيثي ورقة عنوانها "سقوط قلعة المسيح" وأشار إلى أهمية ممباسا كونها من المدن المهمة التي تقع على سواحل شرق إفريقيا، خاصة في القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين، ذلك بفضل وجود ميناء مزدهر بها وأسواق رائجة بالضائع من مختلف الأقاليم، واستطاع البرتغاليون إخضاع ممباسا علي الساحل الشرقي لسيطرتهم بهدف تأمين التجارة من الهند إلي البرتغال، موضحا الغيثي أنهم قاموا بجرائم بشعة لفرض هذه السيطرة، وقام البرتغاليون ببناء قلعة ذات تحصينات قوية في ممباسة أطلق عليها اسم (قلعة المسيح) حيث إنها بنيت على شكل رجل مصلوب، وظلت هذه المدينة منذ النصف الأول من القرن السادس عشر حتي نهاية القرن السابع عشر في أيدي البرتغاليين حتى استطاع العمانيون تحريرها منهم. واستمر الصراع لفترة ليست بالقصيرة خاصة خاصة وأن البرتغاليين شكلوا تحالفا مع الفرس، مما جعلهم يهاجمون عمان بين فترة وأخرى. وأشار الغيثي إلى أن الأمور استقرت في عمان بتولي الإمام سيف بن سلطان اليعربي الأمور، فقام بتأمين السواحل العمانية بسفن وتجهيزات وتحصينات ضد أي هجمات، هنا طلب أهالي ممباسا من الإمام ضرورة ترك حامية عمانية لحماية المدينة والسواحل الشرقية، فعين الأمام سيف الوالي ناصر بن عبدالله المزروعي واليا علي ممباسا وكان ذلك في عام 1698م وهذا التاريخ هو بداية التواجد الرسمي العماني في سواحل شرق إفريقيا، وظل الولاة العمانيون يتعاقبون على ممباسا حتى تولي السلطة الإمام سيف بن سلطان الثاني، الذي عين الوالي محمد بن عثمان المزروعي في عام 1731م فظلت ولاية ممباسا في ذريته حتى عام 1837م, وذلك نتيجة الصراعات الداخلية التي حدثت في عمان، وتولي البوسعيد حكم عمان وخلافهم مع المزاريع.

المزاريع في ممباسا
وقدم الدكتور سليمان المحذوري ورقة عمل حملت عنوان "دور المزاريع في ممباسا" خلال القرنين 18و19م، موضحا المحذوري أن قدوم أفراد من أسرة المزاريع العُمانية مع جيش الإمام سيف بن سلطان اليعربي أثناء تحرير سواحل شرق إفريقيا من قبضة البرتغاليين يُعتبر بمثابة نقلة نوعية في علاقة عُمان السياسيّة بالمنطقة؛ إذ بعد سقوط قلعة المسيح في ممباسا في أيدي العُمانيين عام 1698م أضحت ممباسا ولاية تابعة لعُمان وذلك بتعيين ولاة عُمانيين عليها ومن بين هؤلاء الولاة ناصر بن عبدالله المزروعي كأول وال من أسرة المزاريع. وأوضح الدكتور سليمان أن في أواخر عهد اليعاربة وبعد أن عجزت الدولة عن القيام بشؤون ولاية ممباسا بسبب الصراعات والانقسامات الداخليّة عرضوا الولاية على أسرة المزاريع مقابل أن يدفعوا لهم مبلغًا من المال سنويًا على أن تكون السيادة لليعاربة. ولكن نتيجة لسوء الأحوال السياسية في عُمان وضعف الدولة أعلن محمد بن عثمان المزروعي استقلاله بولاية ممباسا؛ إلا أنّ دولة البوسعيد التي خلفت دولة اليعاربة لم تعترف بهذا الاستقلال وجرت بين الجانبين مناوشات ومعارك عديدة حتى تمكن السيّد سعيد بن سلطان من السيطرة على ممباسا عام 1837م.

ولاة ممباسا
وقدم الباحث ناصر بن عبدالله الريامي ورقة عمل بعنوان "ولاة ممباسا في عهد دولة البوسعيد، الشيخ مبارك بن علي الهنائي أنموذجًا"، نيابة عن الشيخ خليفة الهنائي، وقد أعطى الريامي نبذة عن الشيخ مبارك الهنائي، المولود في ممباسا 1896م، والذي امتاز بقوة الشخصية، بدءا من مراحل التعليم الأولى وفي عام 1916م، التحق بالكتيبةِ الثالثة لقوّة بنادق ملك أفريقيا، لأداء الخدمة العسكرية، إبان الحرب العالمية الأولى، كما اشترك في الحرب العالمية الثانية لبضعة أشهر، واستقر الرّأي على وجوده في خدمة المواطنين واليا على ممباسا، يقتضي وجوده بين الناس، لا في ساحات القتال. وأوضح الريامي أن بعض الوثائق الخاصة تشير إلى أن الشيخ مبارك ارتبط بصداقة حميمة بزعيم الأمة المصرية، ومفجر ثورة 1919م، سعد باشا زغلول، وبعض رفاقه، مما جعله يتردد عليهم كثيرًا في القاهرة. كما عاملته سلطة الحماية البريطانية معاملة تليق بمكانته العلمية والأدبية، فاختارته في عام 1931م، هو وحمد محمد عيسى التمامي، للسفر إلى لندن، لتمثيل عرب وسواحلية ممباسا، في مناقشات اللجنة البرلمانية المشتركة بين مجلسي العموم واللوردات، حول مدى إمكانية إيجاد اتّحادٍ أوثق بين دول اتحاد إفريقيا الشرقية الثلاث، كينيا، وأوغندا، وتنجانيقا، وفي عام 1937م، عينته واليًا على ممباسا؛ وبتاريخ 29 ديسمبر 1941م، خلف علي بن سالم بن خلفان البوسعيدي في المنصب الذي شغله منذ عام 1921م، وهو "والي الشريط السّاحلي، واستمر في هذا المنصب حتى عام 1958م، كما تقلد عددًا من الأوسمة، بما في ذلك وسام (O.B.E.)، وهو وسام ضابط الإمبراطورية البريطانية؛ ووسام قائد جزيرة القمر الكبرى، وقلّده السلطان خليفة بن حارب، سلطان زنجبار وسام الكوكب الدُرِّي؛ وفي 1959م، قلّدته ملكة بريطانية وسام الـ(K.B.E.)، المعروف بفارس الإمبراطورية البريطانية، هو الوسام الذي بموجبه يحصل حامله لقب السير.