برلين ـ "الوطن":
بعد "تقرير الخريف" السنوي لخبراء الاقتصاد الألمان خفضت الحكومة الألمانية في أواسط شهر أكتوبر الجاري بوضوح معدل النمو المنتظر في ألمانيا في نهاية السنة الحالية من 1,8 إلى 1,2%، وللعام المقبل من 2 إلى 1,3%، وأشارت ألمانيا إلى أن اقتصادها "لم يعد جيداً كما كان في فصل الربيع"، مؤكدة إنها "وجدت ضرورة في خفض معدلات النمو العالية" التي كانت متوقعة منها .. لكن صندوق النقد الدولي توقع في تقريره للشهر الجاري أن ينخفض النمو في ألمانيا بمقدار أقل من 1,9 إلى 1,5% هذه السنة، ومن 1,7 إلى 1,5% السنة القادمة.
وقال غابرييل وزير الاقتصاد الألماني: أن الاقتصاد موجود حالياً وسط ركود اقتصادي خارجي شديد .. في تلميح منه إلى استمرار الأزمة المالية في أوروبا ودخول فرنسا وإيطاليا في أزمة ركود، واستمرار النزاع المسلح في الشرق الأوسط وأوكرانيا، وما نتج عن الأخيرة من عقوبات اقتصادية ضد روسيا أضرّت أيضاً بمصالح ألمانيا، ومع ذلك شدد "على أن وضع سوق الاستهلاك في الداخل جيّد، ووضع سوق العمل في المانيا قوي أيضاً"، لافتاً إلى أن عدد العاملين في ألمانيا سيسجل السنة المقبلة رقماً قياسياً من 42,8 مليون عامل وموظف، وتوقع بسبب ذلك حصول زيادات على الأجور يصل معدلها الوسطي إلى 2,6% هذه السنة، وإلى 2,7% في السنة القادمة، وخفف الوزير من قلق الكثيرين قائلاً: إن معدلات النمو في ألمانيا،على الرغم من كبوتها، ستكون مع ذلك الأعلى في منطقة اليورو، وأفضل بكثير من السنتين الماضيتين حيث نما الاقتصاد الألماني 0,7 و 0,4% في عامي 2012 و2013.
وكانت مجموعة من أهم معاهد البحوث الألمانية حمّلت الحكومة الألمانية في "تقرير الخريف" السنوي، الذي أصدرته قبل أيام من تصريح الوزير غابرييل، مسؤولية التراجع في النمو للسنة الحالية وللسنة المقبلة، قائلة: إن قرارات تحديد حد أدنى للأجور، ورفع علاوة الأمومة، والسماح لفئة عمالية بالتقاعد في سن الـ 63 التي أقرت في فصل الربيع الفائت "جعلت المستثمرين يمتنعون عن الاستثمار في ألمانيا بصورة أكبر"، وقد يكون في هذا الكلام بعض الصحة، إلا أن الواقع أيضاً يشير إلى أن مؤشرَي النمو في ألمانيا مثل Ifo الصادر عن معهد بحوث الاقتصاد الألماني في ميونيخ، و ZEW الصادرعن معهد البحوث الأوروبية في مانهايم كانا قد بدأ منذ أشهر عديدة في التحذير من تراجع النمو في ألمانيا وفي منطقة اليورو، وفيما تراجع مؤشر النمو "إيفو" في شهر سبتمبر الماضي للمرة الخامسة على التوالي، سجّل مؤشر النمو للمعهد الثاني في اكتوبر الحالي تراجعاً للشهر العاشر على التوالي، ما يعني أن لأزمة النمو أسباباً أبعد، وخارجية أيضاً قد تكون الأقوى، ورأى معهد "ايفو" هنا "أن انعدام التوازن الجيوبوليتيكي (في العالم) يؤثر سلباً على ثقة أرباب الاقتصاد". وقال المعهد: "لقد فقد محرك النمو الألماني دورانه السريع"، وإذا أخذنا بعين الاعتبار تقارير صندوق النقد الدولي الدورية عن النمو في الاقتصاد العالمي يتبين أن القدرة الشرائية للعديد من الدول الصناعية والصاعدة، خاصة الصين، تراجعت بصورة ملحوظة، الأمر الذي خفض الطلبيات على الانتاج الألماني، من هنا يمكن فهم أسباب تعرض الصادرات الألمانية إلى هزة شديدة في شهر أغسطس الفائت حيث انخفضت الطلبيات في دفاتر الشركات الألمانية من الخارج بنسبة 9,9% ومن منطقة اليورو بنسبة 5,7% عن شهر يوليو، ومن الداخل بنسبة 2%.

وقف التقشف وزيادة الاستثمار
فاجأت معاهد البحوث الألمانية الحكومة الألمانية بمطالبتها لها في "تقرير الخريف" الصادر عنها أخيراً بالتخلي عن نهج التقشف المتشدد الذي تتبعه في ألمانيا ومع الدول الأوروبية المتعثرة، والعودة إلى نهج الاستثمار النشط لإعادة تحريك الإنتاج في ألمانيا، وانضم خبراء الاقتصاد بذلك إلى أرباب العمل الذين أخذوا منذ فترة يطالبون حكومتهم، بانهاء سياسة التقشف والعودة إلى الاستثمار في الداخل، خاصة في البنى التحتية وفي مجالات التعليم العالي وخفض الضرائب.
ويزداد حالياً عدد من يعتقد أن مبدأ التقشف الذي تمسكت به ميركل وشويبله منذ بدء الأزمة المالية الأوروبية عام 2008 لم يعد يقنع الكثيرين، علماً أن النقابات العمالية والأحزاب اليسارية في ألمانيا وأوروبا عارضته منذ البداية وطالبت ببرامج استثمارية إلى جانب برامج التقشف للخروج من أزمتي الديون ونسبة الباحثين عن عمل العالية وركود الانتاج في الدول المتعثرة، بل وجذبت الآن حملة الدعوة إلى تنشيط الاستثمار مسؤولين كباراً في حزب المستشارة الديمقراطي المسيحي، ما زاد الضغط على حكومتها المسيحية الاشتراكية.
ووصلت الضغوط الممارسة في هذا الاتجاه إلى قمتها في مؤتمر الخريف الذي عقده صندوق النقد الدولي في واشنطن في العاشر من اكتوبر الجاري وشاركت فيه ألمانيا حيث حوصرت بمطالبات غالبية المشاركين بتنفيذ برامج حكومية استثمارية في الداخل وخفض الضرائب لتنشيط الاستهلاك، والتوقف عن معارضة برامج الاستثمار الحكومية في الدول الأوروبية المتعثرة .. وأعرب خبراء صندوق النقد عن "قلق بالغ" من خطر تعمق الأزمة المالية في منطقة اليورو على خلفية مزيج من الركود وتساقط الأسعار، ويذكر أن المستشارة ميركل حذرت بدورها مطلع الشهر الجاري "من السقوط مجدداً في أزمة اليورو" مشيرة في خطاب ألقته في مؤتمر الاتحاد الألماني للتجارة الخارجية إلى أن اندلاع أزمة اليورو من جديد "سيكون في الظروف السياسية الدولية الحالية بمثابة كارثة"، ومع ذلك رأت أن "الطريق الصحيح للخروج من الأزمة هو الالتزام بمبدأ التقشف في موازنات دول منطقة اليورو" .. لكن ميركل لم تكن تنتظر موقفاً معارضاً بهذا الحجم لسياسة التقشف لا من كبار الاقتصاديين القريبين من حزبها، ولا من كبار المسؤولين فيه، صحيح أنها أيدت اقرار استثمارات، إنما من جانب القطاع الخاص، الأمر الذي اعتبره خبراء كثر أنه غير كاف، خاصة وان القطاع الخاص يتهرب من الاستثمار في البنى التحتية، وبالأخص من الاستثمار في الدول المتعثرة.
وحمّل رئيس اتحاد الصناعات الألماني BDI الحكومة الائتلافية مسؤولية تعثر النمو في ألمانيا قائلا "إن التحالف الحكومي انشغل كثيراً حتى الآن بتحسين أوضاع العمّال، وقليلاً فقط بتقوية وضع الاقتصاد" .. مضيفاً: أن الاتحاد يرى الآن "وجود ضرورة قصوى للقيام بحملة استثمارات هجومية .. من جانب الحكومة التي عليها صرف المزيد من المال لاصلاح العديد من البنى التحتية".
وأضاف: أن الخطوة الأولى في هذا المضمار يتمثل في أن يتم اليوم صرف الخمسة مليارات يورو التي تقرر صرفها في عام 2017، مطالباً بتخصيص أربعة مليارات يورو سنوياً لهذا الغرض"، وحذر الأمين العام للمجلس الاقتصادي في الحزب الديمقراطي المسيحي الألماني قيادة حزبه من اهمال مسألة الاستثمار الحكومي لتعزيز الاقتصاد .. مشيراً إلى "أن الحفاظ على الوضع القديم الجيد يحتاج إلى استثمارات مستقبلية، خاصة في البنى التحتية الرقمية"، وتحدث الحزب عن وجود "ثغرة استثمارات كبيرة جداً" .. مشيراً إلى "أن ألمانيا تعطي الكثير اجتماعياً والقليل استثمارياً" و"أن هذا يظهر في تقادم الشوارع والمدارس ومعدات الجيش الألماني" .. وطالب رئيس الكتلة المسيحية في البرلمان الأوروبي حكومته في برلين بتخصيص المزيد من الاستثمارات الحكومية في ألمانيا وفي الدول الأوروبية المتعثرة، مضيفاً "علينا التفكير في كيفية تعزيز النمو في بلدنا".
وإذا كان الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني من أشد الداعين إلى وضع برامج استثمار لدفع عجلة النمو فقد أثار وزير الاقتصاد والطاقة الألماني بلبلة أخيراً حين أكد التزامه بقرار حكومته تقديم موازنة تقشفية خالية من الدين عام 2015 المقبل، إلى جانب مساندته اقرار استثمارات أيضاً في البنى التحتية، وهو أمر متناقض، وفي الوقت الذي يسعى وزير المال شويبله إلى تخليد اسمه كأول وزير للمال في ألمانيا منذ 40 عاماً يحقق موازنة لا دين فيها قلل اقتصاديون "من أهمية ومن نفعية" هذا الهدف في وقت تحول فيه التقشف لأن يصبح عبئاً على الاقتصاد وكابحاً له في مجمل القارة، ورأوا أن استمرار الأزمة المالية الأوروبية "يجب أن يفرض على الحكومة فتح خزائنها لا غلقها".
تعزيز الاستثمار في ألمانيا
على الرغم من رفض الحكومة الألمانية زيادة الاستثمارات الحكومية في ألمانيا حتى لا تُفشل هدف الوصول العام القادم إلى موازنة لا ديون فيها للمرة الأولى منذ نحو أربعة عقود، اكدت وزارتا المال والاقتصاد في ألمانيا أخيراً أنهما تبحثان في كيفية المساهمة في زيادة الاستثمارات الداخلية للتخفيف من ثغرة ضعف الاستثمارات الخاصة في ألماين، وجاء هذا الاعلان ليعكس التوازن القائم داخل الحكومة الألمانية الائتلافية حيث الشريك الاشتراكي يدفع من وراء الكواليس في اتجاه زيادة الاستثمارات الحكومية فيما الشريك المسيحي لا يزال يرفض رغم بدء تصدع موقفه
وفي مقابل تشديد وزير المال شويبله على ضرورة قيام ألمانيا بتحسين الشروط العامة للقطاع الخاص لتشجيعه على المزيد من الاستثمار في ألمانيا، يشدد وزير الاقتصاد غابرييل على البحث في كيفية زيادة الاستثمارات الحكومية المتفق عليها في برنامج التحالف، وأعلن غابرييل أخيراً انه كلف لجنة تضم خبراء ورجال أعمال ونقابيين وباحثين لاقتراح السبل الكفيلة بزيادة الاستثمارات الحكومية والخاصة، والبحث في كيفية استغلال الرساميل الضخمة الموجودة في الأسواق المالية لتجديد البنى التحتية في ألمانيا .. مضيفاً: أنه "إلى جانب المبالغ التي حُددت في برنامج الحكومة لدعم التعليم والبحوث والمواصلات وتطوير المدن يتوجب الاتفاق على خطوات أخرى"، وكان التحالف الحكومي اتفق على تخصيص خمسة مليارات يورو لاستثمارها في قطاع المواصلات حتى عام 2017، إلا أن الخبراء يجمعون على أن المبلغ ضئيل، وأن المطلوب رفع المبالغ المخصصة لقطاعي البحوث والتعليم.
وعلى سبيل المثال يرى هؤلاء أن المواصلات المتقادمة في ألمانيا بحاجة ماسة إلى التحسين والتجديد، ويتحدثون عن وجود ستة آلاف جسر في حالة تحتاج إلى تحسين وصيانة من أصل 39 ألفاً في ألمانيا، لكن برلين لم تؤمن مبالغ صيانة وتجديد لأكثر من 78 جسراً منهم. وتمنع الشرطة سير شاحنات النقل الثقيلة على العديد من الجسور والطرقات العامة بسبب علائم الضعف فيها وتركها دون صيانة لعدم توفر المال اللازم، وتقطع مئات آلاف الشاحنات الطرق والجسور يومياً في ألمانيا، وفي حين كانت الشاحنة تزن 24 طناً عام 1960 أصبح وزنها اليوم 44 ألف طن، ما ضاعف من ثقلها، وخصصت الحكومة أخيراً مليار يورو لوزارة المواصلات الاتحادية للقيام بذه المهمة علماً أن المبلغ ضئيل. وسبق للخبراء ورجال الأعمال أن طالبوا الحكومة بضرورة تخصيص بضعة مليارات يورو سنوياّ، حددها البعض بستة مليارات، للقيام بهذه المهمة بنجاح .. ويؤكد الخبراء أن محاولة تشجيع القطاع الخاص للاستثمار في قطاعات المواصلات والبنى التحتية والتعليم أمر من الصعب حصوله لأنه يسعى إلى الربح السريع ويفضل الابتعاد عن المحاذير، لذا يبقى القطاع العام المسؤول الأول عن هذه المهمة، ويفرض هذا الأمر على ألمانيا الاستدانة من القطاع الخاص، ما لا تريده الحكومة، ورفض "تقرير الخريف" الصادر عن أهم معاهد البحوث في ألمانيا "مبدأ تحقيق توازن في موازنة ألمانيا بالمطلق" قائلين: إن الهدف هذا "في الظرف الراهن لا مغزى له من وجهة النظر الاقتصادية".
وأضافوا: أن المطلوب "أن تقوم ألمانيا باستثمارات هادفة في مجالي التعليم والبنى التحتية".

التشاؤم بعودة أزمة اليورو
هل عادت أزمة اليورو الأوروبية فعلاً من جديد من الباب الخلفي دون أن ينتبه إليها أحد؟ بعد أيام معدودة على تحذير المستشارة الألمانية مطلع شهر اكتوبر الجاري في برلين من "أن عودة جديدة لأزمة اليورو ستكون كارثية في الظروف السياسية الدولية، خاصة وأننا لم نصل بعد إلى النقطة التي تمكننا من القول بأنها أصبحت كلياً وراءنا" شهدت بورصة فرانكفورت مذ ذاك زلزالاً جعل مؤشر Dax للأسهم يسقط من 10000 نقطة تقريباً في أواسط يوليو الماضي إلى 8571 نقطة حتى منتصف أكتوبر الجاري، وهي أدنى مستوى يصل إليه منذ عام.
ومنذ أواسط سبتمبر الفائت فقد المؤشر أكثر من 1300 نقطة، ما فاقم الأحاديث عن أن انهيار مؤشر الأسهم الألماني أصبح على قاب قوسين أو أدنى بعد أسبوعين من الاضطرابات المالية والبيانات الاقتصادية السلبية، علماً أن البيانات الأخيرة المتعلقة بالولايات المتحدة كانت تشير إلى ازدياد وتيرة النمو فيها، إضافة إلى أن البيانات الألمانية لم تكن قاتمة إلى هذه الدرجة رغم تراجعها، ويشكل تراجع الأسعار في منطقة اليورو، وبالتالي التراجع المستمر في معدل التضخم فيها من 2 إلى 0,3% في الأشهر الأخيرة، منبع التخوفات الأخيرة بسبب فشل جهود التحول، ما يعيد الأسواق المالية إلى سياقها الطبيعي من رفع للفائدة وتحريك عجلة الاستثمار.
ولم تجدي كل الجهود التي بذلها البنك المركزي الأوروبي حتى الآن لتحقيق هدف يعتبر من صميم مسؤولياته، ورغم تحذير ميركل من عودة الأزمة أوضح متحدث باسمها أن "على الرغم من تراجع الأسعار لا تخشى الحكومة الألمانية نشوء دوامة تراجع إلى الوراء تسبب الضرر لنمو منطقة اليورو".
وأضاف عشية اجتماعات صندوق النقد الدولي في واشنطن: "نحن لا نوافق على القلق من تراجع الأسعار بالرغم من أننا نرى أن معدل التضخم منخفض جداً" .. مؤكداً أن المهم لألمانيا أن يلحظ صندوق النقد الدولي أكثر فأكثر أهمية الإصلاحات البنيوية لضمان نمو مستدام"، منهياً بالقول إن منطقة اليورو تجد نفسها "من حيث المبدأ بأنها تسير اقتصادياً على طريق صحيح".
ويبدو أن المستثمرين فقدوا الثقة في قدرة البنك المركزي الأوروبي على إعادة معدل التضخم إلى سابق عهده، أي إلى 2% تقريباً، فلجأوا إلى بيع الأسهم التي يملكونها للتصرف بها بصورة أكثر ربحية لهم، الأمر الذي أثار تخوفات من تهافت شديد على بيع الأسهم، وإلى جانب ذلك لعب القلق من تراجع معدلات النمو الاقتصادي في ألمانيا لهذه السنة وللسنة المقبلة، وامكان لجوء بنك الاحتياط الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) إلى رفع معدل الفائدة بصورة مبكرة بعد تحسن أداء الاقتصاد فيه، في وقت لا يفكر فيه البنك المركزي الأوروبي بخطوة مماثلة بعد تراجع الفائدة إلى حدود الصفر تقريباً، لعب دوراً حاسماً في البلبلة التي شهدتها أسهم بورصة فرانكفورت وأحدثت حالة من الفزع في صفوف المودعين دفعتهم إلى بيع أسهمهم، ويعتقد محللون ماليون أيضاً أن مراوحة "داكس" في مكانه أخيراً، وعدم قدرته على تحقيق المزيد من المكاسب جعل المضاربين في السوق يستغلون الفرصة للمضاربة من جديد بهدف تحقيق أرباح. إلى جانب ذلك تحدثت شائعات عن أن الدولار الاميركي الذي تحسن في الفترة الأخيرة إزاء اليورو سيواصل تحسنه في المرحلة القادمة، وكان اليورو يساوي 1,4 دولار في شهر مايو الماضي قبل أن ينخفض لاحقاً إلى 1,30 دولار ثم أخيراً إلى 1,26 دولار، وينطلق خبراء مال أميركيون من أن العملة الخضراء التي تساوي 86 سنتاً من اليورو اليوم سترتفع قريباً إلى 96 سنت، بل وينتظر البعض أيضاً أن يصبح الدولار أكثر قيمة من اليورو في مرحلة لاحقة، وهذا ما يعتقده أيضاً خبراء مصرف "دويتشه بنك" على خلفية ترقب توقف بنك الاحتياط الأميركي في نهاية الشهر الجاري عن برنامج تسييل النقد للأسواق المالية دون فائدة تقريباً، على أن يعود لرفعها ابتداء من مطلع السنة المقبلة، ولكن لوحظ أن سعر اليورو عاد وارتفع أواسط الشهر الحالي إلى 1,28 دولار تقريبا، وإذا كان تحسن سعر الدولار إزاء اليورو مع ارتفاع الفائدة عليه سيؤدي بالفعل إلى هرب العديد من المودعين من مؤشر "داكس" إلى مؤشر "داو جونز" الأميركي، فان انخفاض قيمة اليورو سيعطي الصادرات الألمانية قدرة تنافسية أكبر في الأسواق الدولية على حد تأكيد معظم الخبراء الألمان.

اتفاق التجارة الحرة
وقّع الاتحاد الأوروبي مع كندا أواخر شهر سبتمبر الماضي اتفاقاً للتبادل التجاري الحر ذكر البعض أن بامكانه أن يصبح "نموذجاً" لاتفاق مماثل يجري البحث عنه حالياً مع الولايات المتحدة، ومع ذلك أعربت أطراف أوروبية عن بعض التحفظات على الاتفاق الموقع مع كندا ودعت إلى تعديله قبل اقراره نهائياً.
فقد طلب وزير الاقتصاد والطاقة الاتحادي في ألمانيا حكومته "إعادة التفاوض حول نقطة مهمة في الاتفاق تتعلق بحماية الاستثمارات"، معتبراً أنها "غير مقبولة في نظر ألمانيا"، ورأى أن الآلية التي تنص على اللجوء إلى التحكيم الدولي، يمكن أن تسمح للشركات المتعددة الجنسية بالاعتراض أمام القضاء على سياسات الحكومات الوطنية، كما هو الأمر في اتفاق التبادل التجاري الحر بين كندا والولايات المتحدة والمكسيك، ورغم أن ممثلي الحزب الديمقراطي المسيحي في الحكومة الألمانية وافقوا على الصيغة النهائية للاتفاق، ورفضوا مطلب الوزير الاشتراكي غابرييل باعادة البحث في بعض بنوده، دعا الناطق باسم الكتلة النيابية للحزب المسيحي للشؤون الاقتصادية حكومته بدوره إلى اجراء تصحيح على بعض نصوص الاتفاق بعد التشاور مع الدول الأخرى المعنية، خاصة في ما يخص حماية الاستثمارات وإعادة جدولة الديون على السندات الحكومية، مشدداً على ضرورة رفض وجود أي ضمان جماعي مسبق من الاتحاد الأوروبي.
وسارعت المفوضية الأوروبية إلى التحذير من "أية محاولة لإعادة التفاوض حول الاتفاق .. مشيرة إلى أن "فتح باب التفاوض يعني موت الاتفاق". وأعلن رئيس المفوضية الأوروبية في مؤتمر صحفي في اوتاوا، شارك فيه رئيس المجلس الأوروبي، ورئيس الوزراء الكندي، "أن الاتفاق لقي الدعم الكامل من جميع أعضاء الاتحاد الأوروبي، ومنهم ألمانيا" .. واعتبر أن "عرقلة ألمانيا عملية المصادقة "ستكون غريبة جداً لأنها البلد الأوروبي الذي سيجني الفائدة الأكبر منه نظراً إلى حجم اقتصادها ولأنها أكبر بلد مصدِّر" .. وإذ أكد أن المفوضية "حصلت على أفضل اتفاق ممكن"، لفت إلى أن المصادقة على الاتفاق ستتم العام المقبل بعد ترجمته إلى كل اللغات الرسمية للاتحاد ليدخل حيّز التنفيذ عام 2016 المقبل.
ويقضي الاتفاق الذي استغرق التفاوض حوله خمس سنوات بإلغاء كل الحواجز الجمركية تقريباً، وهو يشمل السلع والخدمات في المنطقتين، وكذلك ملاءمة المعايير والتشريعات.
وسيكون ممكناً لشركات الاتحاد الأوروبي الدخول بحرية إلى كل أسواق كندا، بما في ذلك المدن والمقاطعات بموجب الاتفاق الذي حدد حجم التبادل بـ 150 مليار دولار سنوياً، وحصل الأوروبيون على حماية كاملة لأسماء المنتجات باستثناء 15 منها، وفي المقابل مُنح الكنديون حصصاً جديدة لاستيراد نوعين من اللحوم من أوروبا، ورأى رئيس الوزراء الكندي أن الاتفاق "يغير وضع العلاقات بين كندا والاتحاد الأوروبي" .. موضحاً أن كندا "هي الدولة الأولى في مجموعة السبع التي يبرم الاتحاد الأوروبي اتفاقاً تجارياً معها"، ومعتبراً أن الاتفاق هو الأكثر تقدماً في عالم اليوم في مجال تكامل الأسواق.