لم يكن العيد الوطني المجيد الذي نحتفل اليوم بذكراه التاسعة والأربعين محطة تاريخية من المحطات التاريخية المجيدة لبلادنا فحسب، بل هو انبعاث وطن بحجم أمة، انبعاث تمثل في نهضة شاملة قادت حركة التغيير التي كان العمانيون ينتظرونها بشغف كبير، لإعادة ترتيب الأوضاع وتنظيمها وفق رؤى جديدة وأهداف أسمى وغايات أنبل، وطموحات وتطلعات أعلى، لها من القدر والإجلال والتعظيم والإكبار والاهتمام بما يليق بمكانة عُمان وعمقها التاريخي والحضاري، تتجلى عبرها تلك الأدوار الوطنية، وتتلاقى معها السواعد الأبية، وتتكاتف معها الهمم العالية، فتنفض غبار الزمن، وتعيد الأمل الباسم، وتعدل بوصلة المسار نحو الهدف الذي يتطلع إليه كل عماني.
إن الثامن عشر من نوفمبر المجيد كان إيذانًا ربانيًّا، ووعدًا إلهيًّا بأن تكون عُمان على موعد مع فجر جديد يهل عليها وعلى أبنائها، لكونه ضرورة حتمية وواقعية فرضها الكثير من المتغيرات والتقلبات بغض النظر عن الأسباب والمسببات، والتي جثمت على ركام من الإحباطات، وأن تبدأ مرحلة جديدة تبنى بفكر مفعم بالحكمة وبُعْد النظر والرأي السديد والإخلاص والتفاني من قائد فذ، مقدام، رُكِّبَتْ فيه صفات القيادة الحكيمة الفذة، يؤمن بالإنسان وبدور المواطن بأنه أداة وحيدة وفريدة لتحقيق كل ضرورات المرحلة ومتطلباتها، ويقدر مكانة وطنه، ويعلي منزلته، الذي قيض الله له حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ ليكون القائد التاريخي لهذه المرحلة، والباني الأمين لنهضة عُمان الحديثة.
ومن منطلق النظرة الصائبة إلى العماني ودوره في استلهام أهداف النهضة ومسيرة التنمية الشاملة، وتبوؤ مكانته وتحمل مسؤوليته، وأنه هدف التنمية وصانعها في الوقت ذاته، نجحت النهضة المباركة في تحويل عُمان إلى خلية نحل، فوضعت أسس الدولة العصرية وأقامت المؤسسات التشريعية، وأرست الشورى ومبادئها وأسس ممارستها من خلال مجلس عُمان بجناحيه الدولة والشورى، وأرست أسس السلام الاجتماعي، ونظمت أدوار المواطنين بحيث يمارس كل منهم دوره الكامل في مسيرة البناء والتنمية، الأمر الذي أسهم في بناء جبهة قوية داخلية، ودعَّم الأواصر، وقوَّى الوشائج، وعزَّز الثوابت والقيم والمبادئ، وحفظ المصالح والحقوق، ونظَّم العلاقات، ما أعطى كل ذلك القواعد اللازمة لمسيرة النهوض والتنمية.
إن النهضة المباركة أعطت لعُمان مكانتها التي تليق بها وتستحقها على المستويين العربي والدولي، وأضحت دولة عصرية يشار لها بالبنان، وتحظى باحترام العالم وتقديره، وغدت محل اهتمام وإشادة بالنظر إلى النجاح الباهر داخليًّا وخارجيًّا والذي لا تزال تواصل تحقيقه وحجز صفحاته التاريخية، ورسم المزيد من معالمه، ووضع أسسه، وأعلت من قدر العلاقات مع دول العالم، والتواصل مع شعوبها، ومد جسوره، وعدم الاكتفاء بالعمل مع دول العالم لبناء المشتركات الإنسانية، وتعزيز القيم والمبادئ والاحترام والتقارب بين شعوب العالم، وإنما كانت دائمًا سباقة إلى المبادرات الإنسانية والعملية التي تخدم والسلم والأمن الدوليين وتخدم الاستقرار والأمن والأمان، وتعزز دور الحكومات والشعوب في إرساء ذلك، مؤكدة الأسس الواجب اتباعها لتحقيق ذلك وهي عدم التدخل في شؤون الآخرين، واللجوء إلى الحوار والتفاهم لحل المشكلات، وتعزيز قيم الصداقة والشراكة، وتبادل المنافع والمصالح واحترامها.
وإذا كانت هناك من كلمة يجب أن نوجهها في العيد الوطني المجيد، فإن أصدق تعبير عن الفرحة بهذه المناسبة الغالية ـ بجانب الاحتفاليات الوطنية ومختلف ألوان التعبير عن الفرح والبهجة وتجديد الولاء والانتماء ـ هو الحفاظ على هذا الوطن ومكتسباته ومنجزاته، والذود عن حياضه، والحفاظ على وحدة الصف والتلاحم والتراحم والتكافل والتعاون، وصد محاولات التشويش وإثارة مشاعر الإحباط والتيئيس، وردع محاولات الانتقاص من قدر هذا الوطن ومكانته ورموزه، والمضي قدمًا خلف قيادته الحكيمة والالتفاف حولها. كما لا يسعنا إلا أن نتوجه بأصدق عبارات التهاني لصاحب المناسبة الغالية حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم، سائلين المولى عز وجل أن يعيدها عليه أعوامًا عديدة وأزمنة مديدة، ويكلأه بعين عنايته ورعايته، ويحيطه بتوفيقه، ويسبل عليه لباس الصحة والعافية والسؤدد، وأن يجعل عُمان بقيادته تنعم بالخير والرخاء والاستقرار والأمن والأمان.. إنه سميع مجيب الدعاء.