[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedabdel.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد عبد الصادق[/author]
” المواجهات الأمنية للإرهاب الذي استفحل في سيناء لا مناص منها, ولكن لا يجب أن تتم بمعزل عن معالجات داخلية وإقليمية ودولية أشمل حتى نستطيع كبح جماح الإرهاب والتطرف الذي ضرب المنطقة برمتها, ولا يجب أن تعصف هذه الحرب ضد الإرهاب بالحقوق والحريات الأساسية التي كفلها الدستور والقانون للجميع, كما لن تنجح هذه الجهود بدون لملمة النسيج الوطني واستعادة السلم الأهلي,”
ــــــــــــــــــــــــــ
عقب العملية الإرهابية الأخيرة التي وقعت بالقرب من الشريط الحدودي بين مصر وقطاع غزة بمحافظة شمال سيناء والتي راح ضحيتها30 جنديا مصرياً وإصابة أكثر من 50 بينهم قائد عمليات الجيش الثاني, توجهت سهام الاتهامات لبدو سيناء؛ تحملهم مسؤولية إيواء ومساعدة الإرهابيين في تنفيذ هجماتهم ضد أفراد الجيش والشرطة المصرية, وتحرض القيادة المصرية على القيام بعملية تهجير قسري لسكان الشريط الحدودي, وإخلاء منازلهم بدعوى وجود فتحات للأنفاق أسفل هذه المنازل؛ يتم من خلالها دخول الإرهابيين والأسلحة و السلع المهربة والمخدرات , ويظن الداعون لهذه العملية بأنها كفيلة باستئصال شأفة الإرهاب من على أرض سيناء, متغافلين التداعيات والتأثيرات النفسية والاجتماعية السلبية التي سيخلفها إجراء من هذا النوع على العلاقة بين الدولة المصرية ومواطني سيناء.
وليس مصادفة أن سيناء ظلت منطقة توترات وحلبة للصراع وميدان للحروب التي خاضتها مصر منذ آلاف السنين, وتم في كثير من الأحيان تحميل أهلها مسؤولية الهزائم والنكسات, وقليلاً ما تم ذكر فضل بدو سيناء في حماية الجبهة الشرقية لمصر, فقد عاش أهل سيناء ويلات حرب 1956م , وشاركوا الجيش المصري معارك الشرف دفاعاً عن أرض مصر ضد العدو الإسرائيلي في رفح والعريش والحسنة والكونتلة ومتلا وسدر الحيطان وأبو عجيلة وبئر العبد ورمانة وبالوظة وغيرها من ربوع سيناء الشاسعة, وقدموا الشهداء وبذلوا المال والدماء لانتصار الإرادة الوطنية في وجه المحتل الإسرائيلي, كما قاموا بتأمين الطرق للجيش المصري وإرشاده للطرق والدروب الوعرة في وسط جبال سيناء وسهولها ووهادها, وقدموا الماء والطعام والمؤن للجنود المصريين, وسخروا جمالهم ودوابهم لنقل الجنود بعيداً عن أعين العدو الصهيوني, وحينما صدر قرار الزعيم جمال عبد الناصر للقوات المسلحة المصرية بالانسحاب التكتيكي من سيناء ـ لمواجهة العدوان الثلاثي على مدن القناة وحتى لا تحاصر القوات المصرية بين القوات الإسرائيلية الزاحفة من غزة إلى عمق سيناء وبين القوات الإنجليزية والفرنسية التي تم إنزالها بالمظلات على طول قناة السويس ـ قام أهالي سيناء من البدو والحضر بخلع ملابسهم واستبدلوا بها ملابس الجنود حتى نجحت عملية الانسحاب المنظم والسريع للضفة الغربية لقناة السويس بدون خسائر تذكر, ولم يكتف أهالي سيناء بذلك, بل قاموا بإخفاء الأسلحة الثقيلة التي تركها الجيش المصري في المخابئ والكهوف وفي منازلهم خشية أن تقع في يد الصهاينة, وظلت هذه الأسلحة آمنة في أماكنها حتى انسحاب المحتل الإسرائيلي من سيناء وعودتها لمصر تنفيذاً لقرار مجلس الأمن الدولي, واستمر نضال أهل سيناء ضد المحتل الإسرائيلي في الفترة من نكسة يونيو 1967م , حتى نصر اكتوبر 1973م .
عقب عودة سيناء كاملة للسيادة المصرية بموجب اتفاقية كامب ديفيد للسلام, تم تقسيم سيناء إلى محافظتين شمالية وعاصمتها العريش تطل على البحر المتوسط والحدود مع غزة, وجنوبية وتطل على البحر الأحمر والحدود الجنوبية لإسرائيل, وبفضل السياحة في سيناء الجنوبية انتعشت أحوال سكان سيناء الاقتصادية؛ حيث وجدوا فرص عمل لهم ولأبنائهم في مجالات نقل السياح ورحلات السفاري, وارتفعت قيمة الأراضي والمساكن والمحلات التجارية, وعم العمران مناطق جنوب سيناء التي كان يزورها أكثر من 4ملايين سائح سنوياً حتى يناير 2011م قبل قيام ثورة يناير, وكانت توفر آلاف من فرص العمل, لذلك لم نسمع عن متطرفين , ولا عمليات إرهابية في جنوب سيناء اللهم حوادث متفرقة ضد السياح اليهود في طابا وشرم الشيخ في عامي 2004و2005.
أما في شمال سيناء فكان الوضع مختلفاً, فلم تهتم الحكومات في عصر مبارك بتنمية شمال سيناء سياحياً , ولا زراعياً ولا صناعياً؛ رغم توافر كل مقومات التنمية, فلها سواحل بكر ممتدة لمسافة 220 كيلو متراً على البحر المتوسط, وبها ميناء بحري في العريش غير مستغل باستثناء نقل المساعدات لقطاع غزة, وبها مطار دولي لا يتم الاستفادة منه رغم قربه من فلسطين والأردن ودول البحر الأبيض المتوسط, وبها كميات وفيرة من المياه الجوفية, والمعادن النادرة, ورغم المساحة الشاسعة لشمال سيناء فإن عدد سكانها لا يتجاوز 400 ألف نسمة ؛ 86 % منهم يقطنون على الساحل والباقي بدو رحل متناثرين في دروب الصحراء, وباستثناء الوظائف الحكومية التي لا تستوعب إلاً عدداً قليلاً من أبناء سيناء لا توجد مشاريع تنموية حقيقية في شمال سيناء, حتى المعبر الحدودي مع قطاع غزة قسم رفح لقسمين فلسطينية في الشمال, ومصرية في الجنوب لا يفصلهما سوى السلك الشائك, وأبراج المراقبة من الجانبين, وبسبب الاحتلال الإسرائيلي للقطاع, والتناحر الفلسطيني/الفلسطيني بين حركتي فتح وحماس والموقف المصري الحائر , تم غلق المعبر أغلب الأحيان, وأصبحت غزة محاصرة من البحر, والجو, والبر, ولم يعد هناك حل سوى شق الأنفاق للاتصال مع العالم عبر رفح المصرية في غياب المنفذ الرسمي, ومادامت الأنفاق تعمل في الظلام ؛ فكل شيء مباح: يمر الغذاء والدواء, ويعبر أيضاً السلاح والمتسللون للأراضي المصرية, وأصبح هناك أناس يتربحون من وراء الأنفاق على الجانبين, وأسر يتعيشون على ماتدره هذه الأنفاق من أرباح سواء على الجانب الفلسطيني أو المصري ولا يستطيع شيء منعهم من ممارسة هذا النشاط المربح في ظل عدم وجود البديل.
وواضح أن عمليات هدم الأنفاق التي قام بها الجيش المصري أضرت بسكان هذه المنطقة الذين فقدوا منازلهم, ومصدر رزقهم الوحيد جراء ردم الأنفاق؛ كل هذه العوامل حولت المنطقة لحاضنة للتطرف والإرهاب ومؤلاً وجد فيه أصحاب الأفكار الضالة بغيتهم لتجنيد الشباب العاطل عن العمل والناقم على السلطة التي حرمته من مصدر دخل مجز, وتركته وحيداً يواجه الفقر والعوز دون أن تقدم له البديل , ليلتقطه شيوخ التطرف, ويبثون في عقله؛ أن هؤلاء العسكر: قتلة وكافرون ويعادون الإسلام والمسلمين, ولا مانع من الإغداق عليه بالمال وتزويده بالسلاح, فيصبح هذا الشاب الصغير المغلوب على أمره؛ أداة طيعة ينفذ من خلاله خفافيش الظلام المأجورون أعمالهم الإرهابية ضد أفراد الجيش والشرطة.
المواجهات الأمنية للإرهاب الذي استفحل في سيناء لا مناص منها, ولكن لا يجب أن تتم بمعزل عن معالجات داخلية وإقليمية ودولية أشمل حتى نستطيع كبح جماح الإرهاب والتطرف الذي ضرب المنطقة برمتها, ولا يجب أن تعصف هذه الحرب ضد الإرهاب بالحقوق والحريات الأساسية التي كفلها الدستور والقانون للجميع, كما لن تنجح هذه الجهود بدون لملمة النسيج الوطني واستعادة السلم الأهلي, والتوازن بين حقوق الدولة والوطن, وحقوق المواطن, عبر التأسيس لسيادة القانون الضامنة لرفع المظالم وصيانة الحقوق, ومساءلة ومحاسبة الحكام والمسؤولين والتداول السلمي للسلطة, ورفع معدلات التنمية المستدامة وتوزيعها على الجميع, فهذه الإجراءات مجتمعة كفيلة بأن تباعد بين شبابنا وبين التطرف والإرهاب.
مصر تمر بمرحلة صعبة تتطلب من الرئيس السيسي أن يعي أنه يحكم شعباً أغلبه من الشباب الذين يرفضون الاستبداد, بعد أن أعيتهم المظالم وغياب العدالة عن مؤسسات وأجهزة الدولة لعقود طويلة, شباب يتوقون للتقدم والرقي ليكونوا في مصاف الدول المتقدمة, شباب لم تعد تخدعهم الوعود الزائفة, شباب لم يعد يجدي معهم عنف السلطة ولا سطوة أصحاب النفوذ, ولن يسمحوا بعودة أصحاب المصالح الذين تربعوا على عرش دولة مبارك الفاسدة, وجثموا على أنفاس الشعب المصري وقهروا قطاعاته العريضة وهمشوها لعقود طويلة, شباب لن يعود مرة أخرى لسياسة الخنوع ونظريات الصمت. بغير هذا التوازن لن يفلح الحل الأمني وحده في اقتلاع جذور التطرف والإرهاب من شبه جزيرة سيناء, ولا من مدن وقرى ونجوع مصر التي عشش فيها التطرف والإرهاب بسبب الفقر والإهمال والجهل الذي غذته دولة مبارك الفاسدة التي تركت تجار الدين وشيوخ التطرف والإرهاب يمرحون في ربوع الوطن, يستقطبون الشباب الصغير لاعتناق أفكارهم السوداء التي تنخر كالسوس في عظام الدولة المصرية.