[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedaldaamy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أ.د. محمد الدعمي[/author]
” .. لا يدري المرء اللحظة فيما لو أن الجامعة، "بيت العرب"، قابلة للبقاء اليوم والقائمون عليها يعون جيداً أن لحظة تأسيسها التاريخية، حسب الرؤيا البريطانية الفرنسية لشرق أوسط اصطنعه كل من الوزير البريطاني "سايكس" مع الوزير الفرنسي "بيكو"، راحت تتلاشى بسرعة خاطفة بعد التغيرات الجذرية التي جرت خلال السنين القليلة الماضية،”
ــــــــــــــــــــــــــ
أول طعنة نجلاء تلقتها جامعة الدول العربية جاءت بلكمة إلى قلبها المصري، وأقصد زيارة الرئيس السابق، أنور السادات للقدس، وما تبعها من متوالية تداعيات استغلها النظام العراقي كي يحل محل القاهرة في قيادة العالم العربي فتكلل ذلك على نحو واضح بمؤتمر قمة بغداد 1979، ثم بقرار نقل مقر الجامعة من القاهرة إلى تونس.
وإذا كان الرئيس المصري السابق، حسني مبارك، قد حاول إعادة الأمور إلى نصابها، بالتعاون مع العراق وتزويده بالأسلحة لمحاربة الجمهورية الإسلامية، فإن الجامعة تلقت ضربة وجود قاضية عندما فاجأها صدام حسين، كما فاجأ مضيفها، حسني مبارك، لحظة غزوه الشقيقة الكويت، محاولاً وضع الجامعة في جيبه، فراحت الجامعة تتأرجح تحت تأثير اللكمة القاضية. ولم تزل هي في حال من النحول والتراخي، خاصة بعد أن أخذت تفقد استقلالها تحت وطأة ضغوط بعض أعضائها الذين استثمروا التغيرات الجذرية الجديدة بعد سقوط نظام صدام حسين وتوالي رجات ما يسمى بـ "الربيع العربي"، تعسفاً، على طريق وضع الجامعة بجيبهم كذلك، للأسف. وكانت أقوى تعبيرات تآكل استقلالية الجامعة قد تجسد في قرارها بحذف واحدة من أهم دولها والمؤسسة، وهي سوريا. ولا يدري المرء اللحظة فيما لو أن الجامعة، "بيت العرب"، قابلة للبقاء اليوم والقائمون عليها يعون جيداً أن لحظة تأسيسها التاريخية، حسب الرؤيا البريطانية الفرنسية لشرق أوسط اصطنعه كل من الوزير البريطاني "سايكس" مع الوزير الفرنسي "بيكو"، راحت تتلاشى بسرعة خاطفة بعد التغيرات الجذرية التي جرت خلال السنين القليلة الماضية، وأقصد الهزات الأرضية في معظم الدول العربية، ومنها ما شهدناه من انهيار أطر سياسية حاكمة من النوع المزمن العابر للعقود بل وللأجيال، كما كانت عليه الحال مع ليبيا، الرئيسة السابقة لمؤسسة مؤتمر القمة العربية.
وعود إلى الاستفهام المهم أعلاه، أي فيما إذا كانت جامعة الدول العربية قابلة للبقاء أم لا؛ فإن على المرء أن يدرك جيداً بأن أطر سايكس/بيكو زائلة وتزول اللحظة بسرعة نهائيًّا تحت وطأة "رؤيا أميركية" لشرق أوسط جديد، ذلك أن أميركا تختلف مصالحها وأهدافها عن مصالح وأهداف فرنسا وبريطانيا إبان العصر الذهبي لبناء الإمبراطوريات الأوروبية.
الرؤيا الأميركية الجديدة توافق على تقسيم العراق، ومن ثم تقسيم سوريا وتأسيس دولة كردية في الفضاء الكردي المشترك بين تركيا وإيران وسوريا والعراق. وهي رؤيا يمكن أن تقلب خارطة الشرق الأوسط على نحو جذري يوائم مصالح القطب الأميركي، درجة إزالة بعض خطوط الحدود السياسية الدولية أو تحويرها، زد على ذلك ما يجري اليوم من عملية لتدويل الإقليم من خلال جعله ساحة دولية للحروب وللقتال عبر تأسيس تحالف "دولي" بدعوى محاربة "داعش".
وهكذا ستبقى جامعة الدول العربية تضعف وتتراخى حتى تتحول إلى هيكل منخور تتلاعب باستقلاله قوى غير قادرة على استيعاب الرؤيا الأميركية، طور التشكل الآن. قد تتحول الجامعة إلى هيكل جامع لغبار الزمن قبل أن تنهار على نحو نهائي؛ أو أنها قد تستحيل إلى صيغة شكلية، بروتوكولية كما كانت عليه حالها خلال العقدين الماضيين، فيرتهن بقاؤها بإرادات بعض الحالمين بإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء من الفاعلين الإقليميين الذين تبدو لهم الرؤيا الأميركية لشرق أوسط جديد كابوساً خانقاً.