صحار ـ من إيهاب مباشر :
بجملة من الأهداف التي وضعتها وزارة التراث والثقافة نصب أعينها وهي تنظم مهرجان فرق الفنون الشعبية العمانية بدءا من الاحتفاء بالتراث الثقافي العماني غير المادي، والحفاظ على الموروث الثقافي العماني، ودعم فرق الفنون الشعبية العُمانية، وترسيخ الفنون الشعبية العمانية في نفوس الناشئة، وإظهار الفنون الشعبية ومكوناتها الأساسية للمجتمع، والتأكيد على الهوية العُمانية للفنون الشعبية، وإيجاد مساحة من الحوار والنقاش البناء حول الموروثات الشعبية العُمانية، وإتاحة المجال للباحثين والمهتمين بهذا المجال للاطلاع على الفنون العُمانية .. انطلقت مساء أمس في مركز البلدية الترفيهي بولاية صحار النسخة الثالثة لمهرجان فرق الفنون الشعبية العمانية ، تحت رعاية معالي الشيخ سعد بن محمد بن المرضوف السعدي وزير الشؤون الرياضية، حيث بدأ حفل افتتاح المهرجان بكلمة وزارة التراث والثقافة، ألقاها السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي، مدير دائرة الفنون الشعبية ، مدير المهرجان قال فيها : يأتي مهرجان فرق الفنون الشعبية في دورته الثالثة ليحقق تطلعات فرق الفنون الشعبية والممارسين والمهتمين فتركيز المهرجان هذا العام على فنون الرزفة والرواح وأبو زلف يؤكد على جماهيرية هذه الفنون من حيث عدد ممارسيها وشعبيتها في المجتمع كما يعكس الدلالة العميقة لثراء الموروث الموسيقي العماني، فتنوع الأداء والحركة والإيحاء في هذه الفنون يعكس بعدها الإبداعي وقيمتها الفنية، وفي المقابل فإن إقامة هذا المهرجان في ولاية صحار له دلالة واضحة على تأصل الفنون العمانية في المجتمع، فصحار التي تمضي بخطى واثقة في سلم الازدهار والتحديث لا تنسى المحافظة على إرثها الثقافي كونه القاعدة التي تنطلق منها نحو التجديد والتطوير.
واختتم مدير المهرجان كلمته بقوله: لقد حرصت اللجنة المنظمة للمهرجان على إثراء فعاليات هذه التظاهرة الثقافية، فبجانب العروض الفنية التي ستقدمها فرق الفنون الشعبية المشاركة طوال أيام المهرجان، سيتم تنظيم ندوة علمية تركز على الفهم العميق للتراث الثقافي غير المادي من خلال محاور فكرية تطرح رؤية واضحة لآليات توثيق هذا الإرث، والحاجة الماسة إلى غرسه وتأصيله في نفوس الناشئة ليستمر جيلاً بعد جيل وهو ما يحقق بطبيعة الحال رؤية وزارة التراث والثقافة في أن الإنسان العماني مبدع هذا الإرث ووسيلة حفظه وتلقينه للأجيال المتعاقبة.

وعرض في بداية المهرجان فيلم قصير عن مسيرة تصفيات وتحكيم فرق الفنون الشعبية ، بعدها قدمت فقرة ترحيبية مشتركة للفرق المشاركة بالمهرجان وهي: فرقة المذاريب الحماسية، وفرقة الطرب الحماسية، وفرقة نجم سهيل الحماسية، وفرقة الميدلي الحماسية ، وفرقة وادي فيض الحماسية، وفرقة أبناء المزاريع الحماسية. ثم قدمت فرقة كمزار للفنون الشعبية فقرة من فن الرواح.

التكريم
وقد كرم مهرجان فرق الفنون الشعبية العمانية في نسخته الثالثة المقامة بمركز البلدية الترفيهي بولاية صحار مجموعة من الاسماء التي أثرت مشهد الفنون الشعبية العمانية ولها اسهاماتها الفاعلة في ترسيخ هذه الفنون لدى الجمهور والمكرمون هم الشاعر سالم بن مصبح المقبالي والشاعر خميس بن مسعود النعماني والشاعر عبدالله بن احمد بن يعروف الكعبي والفاضل جمعة بن سالم الحوسني رئيس قسم الفنون الشعبية بوزارة التراث والثقافة كما تم نكريم ( فرقة الفنون البحرية ) اقدم فرقة مسجلة لدى وزارة التراث والثقافة .

ندوة مصاحبة
وتصاحب فعاليات مهرجان فرق الفنون الشعبية العمانية الثالث في صحار ندوة تتناول بالبحث والدراسة والتحليل مجموعة من المحاور العلمية المتعلقة بـ "بدور الاعلام في توثيق وحفظ التراث غير المادي"، و"أهمية جمع التراث الشفاهي والموروثات الشعبية" و"أهمية إدراجها في المناهج التعليمية"، حيث يستضيف المهرجان نخبة من الباحثين والمتخصصين في هذا المجال لإعطاء هذه التظاهرة الثقافية نفساً جديدا، ضمن رؤية تسعى للمحافظة على الفنون الشعبية في سلطنة عُمان، واستمرار تحقيق الأهداف في توفير مساحة للتوثيق، والتعريف، والترويج للتراث غير المادي، وحفاظاً على هذا الموروث الحضاري الفني الثمين.

فنون المهرجان"الرزفة" و"الرواح"

الرزفة الحماسية .. تراث شفهي غنائي تأصل في جذور العُمانيين، بتناغم إيقاعات الرزيفة مع حركة السيوف والعصي، وتشكيلات المجاميع باندماج ملامح الفرح والجدية لترسم موروثاً تتغنى به الأجيال، ويطرب به الصغار قبل الكبار وفق آداب ومعايير نسجها الأجداد والآباء مع تعاقب الأجيال.
وهو فن عريق يؤديه مجموعة من الرجال، من خلال صفين متقابلين يتوسط الصفين الشعراء والجويله، ويقام في العديد من المناسبات الاجتماعية مارسه الآباء والأجداد في البادية منذ القدم، وكان يُؤدى من قبل الأشخاص المنتمين لنفس القرية التي تحتضن المناسبة أو بمشاركة القرى المجاورة، باستخدام العصي والسيوف والبنادق في الأداء، إلى أن بدأت فكرة تكوين فرق الرزفة المنظمة في بداية الثمانينات، واستمرت تلك الفرق في أداء هذا الفن بنفس الطرق التقليدية السابقة حتى بداية التسعينات حيث تم إدخال أول آلة على فن الرزفة هي الطبل، ومن ثم توالت إضافة التطورات بإضافة آلة العود وآلة الأورج على هذا الفن، مع المحافظة على أصول الفن من حيث اللحن والأداء، مما شكل تمازجا في تقديم هذا الفن بين الطريقة التقليدية أو بمصاحبة الإيقاع.
وتتحكم في فن الرزفة عدد من المقومات تتمثل في المناسبة، والشاعر المتمكن على ارتجال الشعر، إضافة إلى مجموعة الرزيفة الذين لديهم المقدرة على تلقي وأداء ما يمليه عليهم الشاعر. كما توجد العديد من الآداب التي تؤكد الاهتمام بهذا الفن، حيث لا يؤدى فن الرزفة إلا بالوقوف، وبداية ونهاية الشلة تكون من الشاعر الذي يبتدئ بالشلة وينهيها في أغلب الأحيان، ويتحتم عدم مقاطعته قبل إكمال الشطر الثاني من البيت الشعري، كما يتوجب على صاحب الشلة الشاعر الترحيب بالضيوف والمشاركين
وفيما يتعلق بأداء الرزفة فله طريقتان، الأولى أثناء المسير اتجاه حفل أو مناسبة معينة وهذا ما يسمى (المشية)، بحيث يكون حاملو السيوف والبنادق في المقدمة ومن ثم الشاعر والرزيفة وجميعهم، يمشون باتجاه الحفل بنشدون أبيات الشعر التي أملاها عليهم الشاعر وهم متجهون إلى الحفل .
أما الطريقة الثانية فتتمثل في تأدية فن الرزفة في المناسبات، ويكون في ساحة واسعة تتسع للرزيفة والجويلة والجمهور، وفي هذه الحالة يقف الرزيفة في صفين متقابلين ويتوسطهم الشاعر، ويمارس هذا الفن في العديد من محافظات السلطنة كمحافظة شمال الباطنة، والظاهرة، ومسندم، كما يوجد في بعض الدول الخليجية المجاورة.
ونظرا لأهمية فن الرزفة الحماسية باعتباره تراثا ثقافيا حياً فقد تم تقديمه كملف مشترك الى القائمة التمثيلية للتراث غير المادي للإنسانية، وذلك خلال شهر مارس2014م بين سلطنة عُمان ودولة الإمارات العربية المتحدة. جاء هذا التقديم انعكاسا للتاريخ المشترك بين الدولتين، ولأهمية الملفات المشتركة في دعم التواصل بين الممارسين والمهتمين بهذا الفن في كلتا الدولتين، كما أنه يأتي انسجاما ودعوة المنظمة العالمية للتربية والثقافة والعلوم الى الحوار بين الثقافات وتعزيز مبدا التنوع الثقافي العالمي.
شكل ملف الرزفة الحماسية مشروعاً بحثياً شارك فيه الممارسون والمهتمون بهذا الفن جنباً إلى جنب مع المؤسسات الحكومية وجمعيات المجتمع المدني من فرق فنون شعبية، وجمعيات مهنية، حيث احتوى على كل البيانات التعريفية الخاصة بهذا الفن بدءا من التعريف بهذا الفن وآلية ممارسته منذ القدم والأغراض التي يقدم فيها فن الرزفة، والآلات الموسيقية المستخدمة في الفن والتي أدخلت عليه حديثاً. كما احتوى الملف على الأنماط الشعرية التي تقدم في الرزفة، والمعلومات التفصيلية للفرق الممارسة للفن والنطاق الجغرافي لممارسة فن الرزفة في الدولتين، وضم الكثير من المرفقات المتعلقة بالمواد العلمية التي تتحدث عن الفن والمصادر والمراجع التي تناولت هذا العنصر، كما ضم الملف صوراً فوتوغرافية وأخرى متحركة تجسد فن الرزفة وطرق آدائه.

الرواح

الرواح من فنون سكان الجبال في محافظة مسندم، ويعتبر من الفنون الموغلة في القدم، والمتميز ببساطة أدائه، وفصاحة كلماته ومسمياته. يُطلق على فن الرواح العديد من التسميات من بينها " النّحل " و" الهوى " ، بينما تعود تسمية "فن الرواح" بهذا الاسم باعتباره فناً من فنون الترويح عن النفس والتسلية والمرح.
يشكل الرواح جزءا من الهُوية الثقافية لأبناء محافظة مسندم، ويتم تنظيمه في المناسبات الاجتماعية والوطنية، ويقدم من خلال يقومون بالأداء الإيقاعي ( ضرب الطبول )، وهم أنفسهم المغنون، وهم أنفسهم المؤدون كذلك، وهو بذلك ينفرد عن بقية الأنماط الموسيقية التقليدية العُمانية الأخرى.