بيروت ـ أ ف ب:
انطلق مساء أمس الأول الخميس في الصالات اللبنانية فيلم "طالع نازل"، الشريط الروائي الطويل الأول للمخرج اللبناني محمود حجيج، الذي عرّف المشاهد على هواجس وخيبات مجموعة شخصيات متنوعة من المجتمع، ويجعلها تكسر صمتها في لحظات الصراحة القصوى. ومن خلال تنظيف زجاج إحدى الشقق المطلة على بيروت فاتحة لقطات "طالع نازل"، اراد حجيج (39 عاما)، ان يفتح بشفافية بابا على أعماق شخصيات مهمشة مجبولة بالألم والحزن والصمت والعزلة عبر قصة غسان الطبيب النفساني (كميل سلامة) الذي يستقبل مرضاه في مبنى يحرسه ناطور (فادي ابي سمرا) والمصعد فيه لا يتوقف. وأمام الطبيب النفساني تجلس يارا (ندى ابو فرحات) التي تلجأ، فتروي انها تعيش في ازدواجية في علاقتها الزوجية مما تتسبب في مشكلات كبيرة "لأنها تشعر بالفراغ والوحدة وتريد الشغف والمال "كما تقول. اما حالة وجدي (حسان مراد) الذي يتمنى الموت، فسيئة. هو يخاف من الخروج ويعتقد انه مضطهد، فيمضي ساعات يحادث دمى عرض أزياء لأنها تسمعه ولا تتكلم عنه، على ما يقول. واختار حجيج كاتب سيناريو الفيلم ايضا شخصية الشاب السوري عمار، التي تعكس شخصيته الواقع الذي يعيشه مع والده وحبه لبيروت الانفتاح واللهجة اللبنانية على ما يقول. وتؤدي الممثلة عايدة صبرا دور الام التي تصطحب ابنها الى الطبيب النفساني ليضبط له سلوكه، في حين ان ربيع وريتا ثنائي يعاني عدم الانجاب وتشتكي الزوجة ان ربيع يمضي خمسة ايام صامتا. وحالة ديامان بو عبود التي تؤدي دور فتاة شابة، ليست أفضل، اذ تفضل السكوت و تعاني من علاقة والديها. اما زياد فمريض وهمي يتناول المنشطات ويعطي وصفات دوائية، وجميعهم يضع أجرة الطبيب على الطاولة بطريقة ميكانيكية. وبموازاة الشخصيات الرئيسية يقدم الفيلم شخصيات من الحياة اليومية تتصرف بعفوية امام مرآة المصعد الذي يصبح مسرحا للمواهب ومنبرا للدروس التربوية كالمشهد الذي تنبه فيه الأم أولادها الغارقين في الألعاب الإلكترونية ان يسلموا على جدتهم وجدهم ويقبلوهما ويأكلوا من دون التعبير عن رأيهم اذا لم يعجبهم الأكل. واللافت في الفيلم مداخلات الطبيب النفساني العلمية وحواره المتزن والمحترف مع مرضاه من دون ان ينجر إلى أسئلتهم ضمن حوارات حقيقية واقعية محبوكة بمتانة واتزان ودقة من اول الفيلم الى آخره تواكبها لغة سينمائية جميلة تذكر بالأفلام الأميركية في حقبة الثمانينيات من القرن الماضي. شخصيات وحكايات ونماذج مزاجها "طالع نازل"، وهكذا يحمل احتفال اخر السنة في الفيلم بعداً اخر. وشاء المخرج ان يصور الطبيب النفساني من الخلف، لتبدو الشخصيات كانها امام كاميرا فيديو ثابتة او أمام المرآة أو على خشبة المسرح، يعبرون بصراحة عن انفسهم ويبوحون بخيباتهم ويكسرون صمتهم. وبعد كل فصل يمر الجمل امام المبنى كأننا نقلب صفحة جديدة ونتقل الى فصل اخر. وهذه من المشاهد الأحب على قلب المخرج محمود حجيج الذي يقول : ان هذا المشهد يعجبه لانه لا يمكن ان يراه في اي فيلم اخر. ويضيف انه أمضى عاملا يكتب السيناريو . ويشير حجيج الى انه عبر "طالع نازل" دخل الى "أماكن من المفترض ان يكون فيها الإنسان صريحا الى اكبر درجة ممكنة اي حين يكون في المصعد اوحين يكون مع الطبيب النفساني في العيادة حيث يحكي الانسان بصراحة من دون قشور". ويرى حجيج ان فيلمه "موجه إلى كل الناس"، متوقعا ان يشاهده الجمهور العريض اذ ان "فيه كل العناصر التي يحب ان يشاهدها الجمهور". ويقول "لا اصنفه في خانة معينة، بل هو فيلم يحاكي الجميع". ومن نقاط قوة الفيلم ايضا براعة ممثليه المحترفين والاقل احترافا. وتقول ندى ابو فرحات التي تؤدي دور يارا التي يتأرجح قلبها بين مشكلاتها المنزلية الزوجية، أن " طالع نازل" يعكس "حالة المواطن اللبناني والعربي الذي يبحث عن الاستقرار في حياته والتوازن ولكنه لا يستطيع مع كل الضغوط التي تواجهه". وتلفت الى التناقض بين نظرة الأجانب الذين ياتون الى لبنان ويشعرون بالاستقرار وواقع المواطن اللبناني غير المستقر. اما المخرج والكاتب والممثل كميل سلامة فيرفض ان يتحدث عن مشهد واحد لافت في الفيلم، ويقول "حين شاهدت الفيلم أحببته بكامله. ثمة عمل جميل من ناحية التمثيل ولا أحب أن أفصل مشهدا عن آخر. هو متكامل". والجدير ذكره ان "طالع نازل"شارك في الدورة العاشرة من "مهرجان دبي السينمائي الدولي"، ضمن مسابقة "المهر العربي للأفلام الروائية الطويلة.