« الحلقة الأولى »

? يعجبني دائما سبر أغوار القضايا، ففي عمقها من الفوائد ما ليس في سطحها، وأظن أن فلسفة التعليم في العالم الإسلامي قائمة على تسطيح العلوم، وإلقاء الفتات، وهو قدر لا يصنع مثقفا ولا يبني أمة، إلا من أدرك رسالته في الحياة وانطلق يقرأ باسم الله، سيدرك حينها أن ما تعلمه في المراحل الأولى والوسطى والأخيرة، إنما كان كفرس امرئ القيس « له أيطلا ظبي وسـاقا نعـامة ... وإرخاءُ سرحانٍ وتقـريبُ تَتْفُـلِ» .
إن جملة من الحقائق رغم وضوحها قد تخفى على أبناء المسلمين اليوم، لأن الكثير منهم يحكون قصة القطاة والغراب، فليس هم على تراثهم باقون ولا بما عند الأمم المتقدمة من خير منتقون.
لقد كان الدين يصنع الأمة المختارة، ويرسم لها خارطة الحياة المستقيمة، ويهيؤها لقيادة العالم دون منازع، لكنها قيادةٌ إلى الخير وسعيٌ نحو السلام، قيادة علمية وأخلاقية، يطورون حياة الناس بما أتاحه الله من العلوم، ويشتهون للبشرية السلامة والعيش الكريم.
وفي القرآن صور رائعة، تشرح هذا الإنسياح في الأرض، وترسم صورة المسلم الذي يلف أرجاءها. ففي مغرب الشمس قومٌ تنكبوا الطريق وأعلنوا الظلم على إخوانهم من الناس، فكيف يتصرف القائد المسلم عندما يصل إليهم.
إن هؤلاء الظالمين مشركون، وأن الذين وقعوا تحت ظلمهم مشركون أيضا، وها هم المسلمون قد وصلوا؛ ولاح في الأفق فجر جديد، سيرفع الظلم ويكسر الحديد... ولكن مهلا مهلا .
- لنتوقف قليلا أمام أسوار المدينة
- ولم نتوقف ياذا القرنين، إن صراخ الظلم يسمع من بعيد، وتحت السيوف رقابُ البشرية البريئة وقد حُوِلوا إلى عبيد !!!
- لقد وصلنا هنا بقدرة الله، وإن الذي أوصلنا يقول: يا ذا القرنين « إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا «
- ونحن هكذا سنفعل بحول الله، هل يحتاج هذا إلى تفسير؟!
- نعم يحتاج..
- كيف؟!! أجد أنني بحاجة إلى فهم أعمق.
- إن شرع الله لا يأمرنا أن نفاجأ الناس ونأخذهم جزافا من ظَلَمَ ومن لم يَظْلِم.
- ولكنهم مشركون.
- إن المشرك إنسان ضللته عن الحقيقة شبهات شتى، وتراكمت عليه معارف زائفة ظن أنها حقيقه.
- وماذا يعني هذا؟
- نعطي القوم فرصة نشرح فيها حقيقة الدين، ونبصّر الناس بأخطائهم، وندعوهم إلى رفع الظلم عن بعضهم. إن أخطر ما يقع فيه المسلمون أن يقروا ظلم البشرية لبعضها، ويسمحوا بسحق الأبرياء تحت أقدام الفاسدين؛ يعتقدون خطأً أنهم كفار يضرب بعضهم بعضا !!
- وماذا بعد ذلك.
- بعد أن نقيم عليهم الحجة، ويرضون العيش في دين الله أو في ظل حكمه العادل، نكون قد حققنا رسالتنا في الحياة، حتى ولو كنا أقوياء نستطيع البطش بأهل الأرض، فما نحن إلا رسل هداية ومفاتيح خير.
- فإن رفضوا، هل سننهي أنفاس هؤلاء القوم .
- ليس هذا ميزانا عادلا.
- كيف ؟!!
- « أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا، وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا «
إن هذه الموازين يجب أن تستقر في أذهان الناشئة وتتربى عليها نفوسهم وعقولهم، أما الخوف من المواد الدينية والقلق من تحويلها المسلمَ إلى شبح مخيف؛ فهو خوف من عقولٍ بشريةٍ صاغت الدين وفق أهوائها فكتبت تعاليمه بيدها ثم قالت: هذا من عند الله، أو خوفٌ من آلة مستعمرة ظنت الدين شرا لها عندما سعت في تشويه حقائقه وطمس معالمه. وسواء كان الذين وصل إليهم ذو القرنين مسلمين أم مشركين فإن الميزان القسط ميزان إلهي يحاسب المبادئ وليس الانتماءات .
« يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ «
في المقال التالي بحول الله: ماذا سيصنع ذو القرنين في مشرق الأرض ؟

الشيخ الدكتور سيف بن سالم الهادي