[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/fayzrasheed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. فايز رشيد[/author]
”من الملاحظ: أن حركة المقاطعة للمستوطنات الصهيونية في الضفة الغربية تتنامى بشكل متسارع مؤخراً، كحصيلة لنشاطات جمعيات ومنظمات أهلية فلسطينية وعربية ودولية. نعم المقاطعة في طريقها للتحول إلى ظاهرة، وقد بدأت تقلق إسرائيل. لقد خسرت المستوطنات الإسرائيلية العام المنصرم 2013 حوالي 20% من تجارتها مع الدول الأوروبية وغيرها.”
ــــــــــــــــــــــــــ
وقع 400 بروفيسور أميركي على بيان مشترك، مؤخرا، أعلنوا فيه عن مقاطعتهم للجامعات والمعاهد الصهيونية. الأهم ما جاء في بيانهم (نورد بعض مما جاء فيه): الإقرار بأن المجتمع الدولي لا يحاسب إسرائيل، "لدينا مسؤولية أخلاقية لاعتبار حكوماتنا وإسرائيل مسؤولة عن الجرائم ضد المجتمع المدني الفلسطيني". الحصار الإسرائيلي للقطاع غير قانوني، إسرائيل تمارس التمييز العنصري ضد الطلبة الفلسطينيين في الجامعات والمعاهد الإسرائيلية، " نعبر عن قلقنا من التاريخ الطويل لإسرائيل في مصادرة المخطوطات الفلسطينية"، تواطؤ المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية مع الاحتلال واضطهاد الفلسطينيين"، من هذه المؤسسات: جامعة بن غوريون، الجامعة العبرية، جامعة بار إيلان، جامعة حيفا. جامعة بن غوريون عبرت عن دعمها غير المشروط لجيش الدفاع الإسرائيلي، "هناك تواطؤ بين المؤسسات الأكاديمية والجيش والأمن والسلطة السياسية في إسرائيل". كما أكد العلماء في بيانهم على: "عدم التعاون والتدريس وحضور المؤتمرات والنشر في المجلات الأكاديمية في إسرائيل، وسيستمر ذلك حتى إنهاء هذه المؤسسات تواطئها في انتهاك الحقوق الفلسطينية المنصوص عليها في القانون الدولي، واحترام إسرائيل الكامل للحقوق الوطنية الفلسطينية بما في ذلك: حقوق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ممتلكاتهم وديارهم المنصوص عليها في قرار الأمم المتحدة رقم 194". أهمية القرار والبيان: أنهما صادران عن مؤسسات أكاديمية أميركية، حيث إسرائيل تعتبر الولايات المتحدة ملعبها الرئيسي، وساحة مقتصرة ومحجوزة على الدوام لها، كما أن أميركا هي الحليف الاستراتيجي الأول والأهم لها وللحركة الصهيونية عموما.
من قبل، وفي عام 2006 قرر أعضاء الرابطة الوطنية للمعلمين، ورابطة أساتذة الجامعات البريطانية، مقاطعة إسرائيل أكاديميا. نفس الخطوة اتخذتها الحكومة الإسبانية في عام 2009 ضد جامعة "بار إيلان" لأنها مقامة على أراضي الضفة الغربية، وجرى منعها من المشاركة في المرحلة النهائية للمسابقة الدولية بين كليات الهندسة المعمارية. أيضا، فإن هناك بداية لمقاطعة ثقافية للكيان على صعيد العالم الغربي. رواد هذه المقاطعة: الموسيقار العالمي روجير واتيرز، الكاتبان العالميان: أرونداتي روي، إدواردو جاليانو. المخرجان: كين لوتش، جان لوك جودار. الممثلة الأميركية ميج رايان التي سبق لها أن انسحبت من مهرجان الفيلم الذي انعقد في القدس في يوليو 2010 بسبب الغارات الصهيونية على أسطول الحرية. إضافة إلى كل ذلك : المقاطعة الاقتصادية لدول المفوضية الأوروبية لمنتجات المستوطنات. مقاطعة شاملة من قبل جنوب إفريقيا لإسرائيل، كذلك في العديد من دول أميركا اللاتينية بدأت بوادر مقاطعة للكيان، وفي تركيا، فرنسا وغيرها من دول العالم وفي مختلف أنحاء القارّات. من قبل: أعلنت شركة" بوسكاليس" الهولندية العملاقة، وشركة "كوندوتي دي أغوا "الإيطالية انسحابهما من عطاءات لبناء ميناءين قريبين من مدينتي حيفا واسدود، وذلك على خلفية العواقب السياسية السلبية لنشاطهما في إسرائيل. شركة ثالثة من بلجيكا اتخذت ذات الخطوة. إن "دويتشي بنك" أكبر بنك ألماني وثالث أكبر بنك في العالم يعتبر أن "نشاط البنوك الإسرائيلية في المستوطنات هي نشاطات غير أخلاقية" ولذلك تعهد هذا البنك مؤخراً لزبائنه: بعدم استثمار أموالهم في شركات لا تستجيب"لمواصفات أخلاقية"، وعدد البنك، قائمة شملت 16 شركة، كهذه (لا تستجيب للمواصفات الأخلاقية) في أنحاء العالم، في مقدمتها "بنك هبوعليم" وهو أكبر بنك إسرائيلي، ويليه 13 شركة تعمل في مجال التجارة بالأسلحة والمواد المتفجرة والعتاد العسكري في العالم وبضمنها دولة الكيان الصهيوني.
من الملاحظ: أن حركة المقاطعة للمستوطنات الصهيونية في الضفة الغربية تتنامى بشكل متسارع مؤخراً، كحصيلة لنشاطات جمعيات ومنظمات أهلية فلسطينية وعربية ودولية. نعم المقاطعة في طريقها للتحول إلى ظاهرة، وقد بدأت تقلق إسرائيل. لقد خسرت المستوطنات الإسرائيلية العام المنصرم 2013 حوالي 20% من تجارتها مع الدول الأوروبية وغيرها. نعم بدأت تتكاثر المؤسسات الأكاديمية والإقليمية والشركات والمؤسسات الأوروبية التي تعلن مقاطعتها لإسرائيل في دول عديدة من الصعب إيرادها كلها في مقالتنا هذه. نعم علينا الاستفادة من هذه الظاهرة، فالحكم العنصري في جنوب إفريقيا حوصر وقوطع من غالبية دول العالم، الأمر الذي ساهم وبفعالية كبيرة في الضغوط عليه للجنوح نحو حل سياسي مع الشعب الجنوب إفريقي.
إسرائيل تكرر وقائع الحكم العنصري في جنوب إفريقيا في تعاملها مع الفلسطينيين: إن من حيث التنكيل المستمر بهم، مروراً باقتراف كافة أشكال العدوان الاحتلالي ضدهم، وصولاً إلى التنكر لحقوقهم الوطنية وإلى مزيد من فرض الشروط عليهم. إسرائيل بممارساتها هي أكثر عنصرية من كافة الأنظمة العنصرية على مدى التاريخين القديم والحديث، وهي دولة فاشية بامتياز كما أثبتت الوقائع ذلك، وبخاصة في عدوانها النازي الأخير على قطاع غزة.
إسرائيل سبق لها وأن هاجمت كيري (مثلما هاجمته مؤخرا على الإدعاء بأنه ربط في تصريح له بين إسرائيل وداعش، ورد الفعل الأميركي برفض طلب أيالون وزير الدفاع الإسرائيلي بمقابلة أوباما وكيري وغيرهما، باستثناء نظيره وزير الدفاع تشاك هاجل) عندما ذكر في تصريح له: أنه وفي حالة فشل المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، فإن إسرائيل ستتعرض للمقاطعة من دول كثيرة على صعيد العالم. هذا التصريح الذي يضع يده على حقيقة مؤكدة، أثار الدنيا ولم يقعدها في الكيان الصهيوني، من حيث مهاجمة كيري، وصولاً إلى اتهامه بالعداء للسامية.
مؤتمر رؤساء المنظمات الأميركية اليهودية، الذي انعقد في القدس المحتلة أقر"بأنه توجد حملة جديدة ضد اسرائيل" ويعتقد "بأن هذه المقاطعة ستلحق الأذى بها بواسطة حملات مركزة، لكن هذا ليس بالأمر الجديد"، "فالمقاطعة ضد اليهود كانت موجودة دائماً، والأفراد في الأراضي الأوروبية يتحدثون عن مقاطعة اليهود وهذه فضيحة". في المؤتمر قال نتنياهو: "إن حملة المقاطعة الأوروبية التي تشمل الامتناع عن الاستثمار في إسرائيل تريد أن ترى نهاية الدولة اليهودية، وينبغي كشفهم وهم معادون تقليديون للسامية، ويجب محاربتهم ومقاطعة المقاطعين". باختصار شديد: إسرائيل تكرر مواقفها واسطوانتها الممجوحة وتركب رأسها في ظاهرة عنادٍ واضحة لمؤسسات وشركات عالمية عديدة.
إن من الأهمية بمكان التركيز على خطوتين مهمتين من المفترض أن تنتبه إليهما السلطة الفلسطينية وعموم الفلسطينيين والعرب وكافة المنظمات والهيئات المعنية بذلك: الأولى: إن ظاهرة المقاطعة يتوجب أن تتكامل مع تعزيز النداءات والنشاطات المحلية لتعزيز المقاطعة فلسطينيًّا وعربيًّا ودوليًّا. وهنا فإن باستطاعة السلطة الفلسطينية أن تعزز هذا المجرى الذي يصب في نهج مقاطعة إسرائيل من خلال التركيز على المقاطعة، لا أن تنادي بعكس ما تقتضيه المقاطعة ( مثلما يحصل)، فمثلاً الرئيس عباس في إحدى خطاباته في الجمعية العامة للأمم المتحدة قال بما معناه:"أننا لا ندعو إل مقاطعة إسرائيل أو حصارها" ! إن في هذا لسلبية كبيرة على صعيد المقاطعة. مثل آخر: إن وفداً رسميًّا تابعاً للسلطة الفلسطينية في زيارة عمل لجنوب إفريقيا وقف ضد مقاطعة الهيئات والمؤسسات الجنوب إفريقية لإسرائيل. هذه المواقف لها تداعيات سلبية كثيرة على المقاطعة. مؤخرا: (17 أكتوبر الحالي ) اتهم عمر البرغوثي، ممثل الحملة الدولية لمقاطعة إسرائيل ( BDS ) السلطة الفلسطينية بالعمل على كسر عزلة إسرائيل دوليا من خلال سياسة تكميم الأفواه، واعتقال الأمن الفلسطيني لنشطاء فلسطينيين عديدين من أعضاء الحملة لمقاطعة إسرائيل عندما تظاهر الداعون للمقاطعة أمام مكان عروض فرقة هندية أقامت عروضا لها في إسرائيل. تمت مهاجمة المتظاهرين واعتقال عدد منهم.
الخطوة الثانية: إن نهج المفاوضات لا يتواءم مع الدعوة للمقاطعة، فمن الصعب بل من المستحيل أن يكون العالم ملكيًّا أكثر من الملك، السلطة تدعو إلى مقاطعة المستوطنات ومنتجاتها، لكنها في نهاية المطاف تتجاوب مع الدعوات لاستئناف المفاوضات رغم التجربة الطويلة من الفشل على مدى 21 عاما . المطلوب هو الإعلان الرسمي الفلسطيني عن قطع المفاوضات نهائيا مع الكيان الصهيوني حتى اعترافه الكامل بالحقوق الوطنية الفلسطينية وفقا لقرارات الشرعية الدولية، والدعوة لمؤتمر دولي على خلفية قرارات الأمم المتحدة حول الحقوق الفلسطينية. إن مثل هذا التناقض في القول والممارسة يلحق أفدح الأضرار بالدعوات للمقاطعة. الخطوة الثالثة: الاستمرار بمزيد من التمسك بالمقاطعة العربية والإسلامية لإسرائيل، وقد بدأت هذه المقاطعة تخف تدريجيا للأسف، وبدأت بعض الدول العربية في التهرب تدريجيا من القرارات العربية، وهذا ما يلحق أفدح الضرر بالحملة الدولية للمقاطعة. وليكن الشعار "العمل من أجل تعزيز المقاطعة"، التي بدأت فعليا تضايق الكيان وتؤثر عمليا عليه.