حين يبحث المجتمع العماني ويناقش العديد من وسائل الارتقاء بالعمل الاجتماعي وتفعيل دوره إلى أعلى مستويات الطموح وفق استراتيجية تعنى به، فإن هذا الأمر ليس جديدًا على مجتمع حضاري متراحم متآلف تسوده الألفة والمحبة والمودة. ودون مبالغة فإن هذه الصفات نشأت مع الإنسان العماني، بل إنها كانت ولا تزال صفات وسمات وخصالًا جُبل العماني عليها، ولعل الشواهد التاريخية والآثار هي خير سند ومتكأ لهذه الحقيقة، ومجتمع كالمجتمع العماني ليس بحاجة إلى شهادة أخرى، كما أنه ليست هناك شهادة تفوق شهادة المصطفى صلى الله عليه وسلم لأهل عُمان وثناءه عليهم ودعاءه لهم.
وحين تتضافر تلك الصفات الحميدة، وتجتمع تلك الأفكار النيرة، وتتلاحم الفطر السوية والسليمة تحت قبة واحدة لتصوغ استراتيجية العمل الاجتماعي ونظرته المستقبلية لضمان ديمومته وتفاعله ورقيه وتحسينه وتطويره، فإنما هي تتكئ على إرث تاريخي يعبق بروائح الإنسانية والمروءة والكرم وإغاثة الملهوف، والتسامح، وحسن الوفادة وكرم الضيافة وحسن الاستقبال والتوديع. وقد شكلت جينات هذا الإرث الحضاري والإنساني إنسانًا عمانيًّا متميزًا تميزت به عُمان المضياف والبر والتعاون والتسامح والتكافل والتراحم، وميزته عن غيره، لتقدم للعالم شهادة علو كعبها في مجال العمل الاجتماعي والتكافل الاجتماعي، والتنمية البشرية والاجتماعية.
لذلك حري بعُمان الماجدة في ظل نهضتها المباركة بقيادة ابنها البار ومفجر طاقاتها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ أن تنطلق إلى آفاق أبعد نحو تحقيق أعلى المستويات في مجالات العمل الاجتماعي والتنمية البشرية والاقتصادية وتكريس الهوية الوطنية العمانية وتعميق مكانتها في وجدان كل مواطن عماني، وتعميق الشعور الإنساني ومشاعر الإخوة بين أبناء هذا الوطن العزيز، وانتفاء الفروق بمختلف أنواعها وأشكالها واتجاهاتها، وإيمان جميع العمانيين بأنهم في مركب واحد لا فرق بين رجل وامرأة، وواجب على الجميع أن يحمي هذا المركب من الغرق، ويعاون بعضهم بعضًا حفاظًا على سلامته ومسيره.
وفي خضم الاهتمام بالهوية العمانية والحفاظ على الذات العمانية المتراحمة والمتكافلة والمتعاونة والمتسامحة، وانطلاقًا من التوجيهات السديدة لعاهل البلاد المفدى ـ أيده الله ـ بأهمية إيلاء التنمية البشرية والاجتماعية الاهتمام الأكبر، جاء مؤتمر "استراتيجية العمل الاجتماعي .. نظرة مستقبلية" الذي انطلقت فعالياته أمس لينظم التنمية الاجتماعية والتنمية البشرية والجهود والخطط والبرامج القائمة ويصوغها في مفردات استراتيجية تطلق الطاقات وتحرك ما سكن منها، وتضعها في إطارها الصحيح بما يضمن سرعة التنفيذ والوصول إلى مختلف الفئات الخاضعة لمظلة التنمية الاجتماعية وتلبية احتياجاتها بأسهل الطرق وأسرعها، بعيدًا عن الروتين الممل والبيروقراطية والمركزية المغرقة في تفاصيل لا جدوى من ورائها، وكذلك للتأكيد على مكانة المرأة والطفل وذوي الإعاقة ودورهم في المجتمع وفي عملية البناء والإنتاج والمشاركة الاقتصادية، بالإضافة إلى التأكيد على حقوقهم والبحث عن أفضل الوسائل والآليات لصونها. كما أن المؤتمر يبحث كيفية الاستفادة من الموارد البشرية عبر وسائل التدريب والتمكين من خلال سلاحي رأس المال واليد العاملة المدربة، فالتدريب يترجم إلى ربح وهذه نظرية اقتصادية لا مراء فيها، ولن يكون ثمة مستقبل لأي منشأة استثمارية تحيد عن مبدأ الاستثمار الأمثل للطاقات البشرية.
وما من شك أن نجاح هذه الاستراتيجية التي يجب أن تعد بعناية تامة وبعيدًا عن ما تسمى بـ"المنظمات الحقوقية" التي قد تكون لها انتماءات وولاءات مشاركة في صياغة الاستراتيجية، أن يعطي مؤشرات وبيانات إحصائية تمثل قاعدة تتمتع بالمصداقية والموثوقية تعين صاحب القرار على اتخاذ القرارات الصائبة.